ما زال الغرب ممسكًا بخط أوباما الأحمر، غير أن لا أدلة موثوقة بعد على استخدام جيش الأسد سلاحًا كيميائيًا ضد الثوار. ويسأل مراقبون: quot;لماذا يستخدم الأسد الكيميائي ولديه ترسانة كبيرة من السلاح التقليدي؟quot;.


بيروت: في الوقت الذي يفكر فيه قادة الغرب بشن حملة عسكرية للتدخل في الحرب السورية على غرار ما حدث في ليبيا، أو عن طريق تسليح الثوار السوريين بأسلحة ثقيلة، فمن البديهي أن يحاول الرئيس السوري بشار الأسد تجنب استفزاز الغرب بشن هجمات منسقة ضد قواته. لكن أكثر ما قد يستفز الغرب ويؤدي إلى شن عمل عسكري على سوريا هو أن يلجأ الأسد إلى عمل عسكري أكثر مباشرة عن طريق استخدام الأسلحة الكيميائية.

يوم 4 أيار (مايو)، أعلنت الحكومتان الفرنسية والبريطانية أن لديها أدلة على أن غاز الاعصاب قد استخدم في سوريا. وتعتقد الحكومتان أن قوات الأسد هي التي استخدمت هذه الأسلحة وليس الثوار. هذه المزاعم، غير المثبتة حتى الآن، هي الأحدث في سلسلة من مزاعم مماثلة تشير إلى أن الأسد قد استخدم الأسلحة الكيميائية في الحرب، ما يؤدي إلى تساؤلات كثيرة أهمها: لماذا يلجأ النظام الذي يواجه بالفعل إدانة واسعة من جميع أنحاء العالم، ولديه إمدادات وفيرة من الأسلحة التقليدية، إلى استدراج مخاطر إثارة تدخل الغرب؟

روسيا منعت الأسد

يوم الاثنين الماضي، أصدرت لجنة الأمم المتحدة المكلفة بالتحقيق في الأعمال العدائية في سوريا تقريرها في جنيف، الذي أشار إلى أن هناك أدلة على أن كميات محدودة من المواد الكيميائية السامة قد استخدمت في أربع هجمات في آذار (مايو) ونيسان (أبريل) الماضيين، مرتين في حلب، ومرة في دمشق، ومرة في إدلب.

لكن لماذا يريد الأسد استخدام السلاح الكيميائي، ولو بكميات صغيرة، تبدو زائدة عن الحاجة في الصراع، إن كانت الطائرات اجتاحت مناطق الثوار على نحو فعال لأكثر من عامين، وألحقت الخسائر في صفوف المقاتلين والمدنيين على حد سواء ودمرت مدنًا بأكملها؟

حذرت روسيا، حليف سوريا الأقرب، الأسد من شن أي هجمات كيميائية في البلاد. موسكو من الحكومات التي وقعت على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1993، التي تحظر استخدام هذا النوع من الأسلحة، كما أنها دمرت جزءًا كبيرًا من مخزونها الخاص.

وقالت دينا اسفندياري، الباحثة في برنامج منع الانتشار النووي ونزع السلاح في معهد لندن الدولي للدراسات الاستراتيجية: quot;روسيا هي الدولة الأكثر تأثيرًا على الأسد من حيث استخدام الأسلحة الكيميائية أم لاquot;. وأضافت: quot;روسيا قالت للأسد إن استخدام السلاح الكيميائي غير مقبول على الاطلاقquot;، مشيرة إلى أن الأسد هدد بذلك فقط حتى يختبر رد فعل المجتمع الدولي لمعرفة ما يمكنه أن يقوم به.

السلاح الأخير

لعدة أشهر مضت، شعر قادة الغرب بالقلق من المخزونات الكيميائية في سوريا، التي يعتقد أن كمياتها تصل إلى مئات الأطنان، وتشمل غازي الخردل والسارين. ويخشى الغرب أن تنتقل الأسلحة إلى يد حزب الله، حليف الأسد في لبنان، أو إلى جماعات الثوار المتطرفة في سوريا.

وهناك أيضًا احتمال أن يطلق الأسد العنان لسلاحه الكيميائي على الآلاف من المدنيين، كما فعل الرئيس العراقي السابق صدام حسين في العام 1988، عندما أسقط قنابل تحتوي على أسلحة كيميائية على قرى كردية في شمال مدينة حلبجة، ما أسفر عن مقتل حوالى خمسة آلاف شخص، ودفع دول العالم لحظر الأسلحة وتدمير مخزوناتها.

ما يثير قلق المجتمع الدولي أيضًا هو احتمال استخدام الأسلحة الكيميائية في نهاية اللعبة في سوريا. إذا كان النظام يعتقد أنه ليس لديه ما يخسره، أو إذا قرر الغرب التدخل، سيلجأ الاسد إلى ترسانته القاتلة هذه كآخر محاولة يائسة.

أدلة غير مؤكدة

نظرًا للإيحاء بأن الولايات المتحدة قد تتدخل إذا استخدم النظام السوري الأسلحة الكيميائية، فإن الأسد لن يحصد سوى القليل من المكاسب من استخدامها، خصوصًا في الوقت الذي تكتسب فيه قواته البرية تقدمًا على أرض المعركة.

وعلى الرغم من التقارير التي تشير إلى استخدام الأسد ترسانته الكيميائية، يبدو أن المسؤولين الأميركيين والبريطانيين يشعرون بالتردد ولا يرغبون في التسرع في الحكم، خصوصًا بعد أن اتضح استنادهم إلى معلومات كاذبة حول أسلحة الدمار الشامل، التي أدت إلى غزو العراق في العام 2003.

المعلومات عن مخزونات سوريا من الأسلحة الكيميائية تبدو أكثر واقعية من تلك التي تحدثت عن أسلحة صدام، لكن هذا لا يعني أن الأسد يعتزم استخدامها في هجوم واسع، أو أنه قد فعل ذلك سابقًا. وتقول اسفندياري: quot;على الرغم من أن الجميع يوجه أصابع الاتهام إليه، إلا أنه من الصعب العثور على أدلة واضحة ومؤكدةquot;.