إقتصاد سوريا ينهار شيئًا فشيئًا، وهو مهدد اليوم بالإنهيار المتسارع بعدما حزمت الطبقة الوسطى، عماد الاقتصاد، حقائبها ونوت مغادرة دمشق وغيرها من المدن، خوفًا من الفقر ومن قذيفة كيميائية تودي بالعائلة.
بيروت: يهمّ أصحاب المهن والعمال المهرة من الشباب السوريين بالرحيل عن دمشق، بعد أن أيقنوا أن الحرب التي ينتظرون انتهاءَها ستستغرق وقتًا طويلًا.
الشباب والمتخصصون من الطبقة الوسطى الذين ولدوا ونشأوا في العاصمة السورية كالأطباء والمعلمين والتجّار، لم يفكروا سابقًا بمغادرة دمشق بعد أن اعتقدوا أنهم يشكلون عماد الاقتصاد في البلاد التي تمزقها الحرب.
لكن بعد أن انتظروا من دون جدوى توقف العنف الذي بدأ منذ أكثر من عامين، حزم هؤلاء حقائبهم ليغادروا البلاد، وسط مشاعر من الحزن والألم والإحباط، والخشية من التعرض للقصف بالأسلحة الكيميائية.
رائحة لاذعة
quot;لا شيء يتحسن، كل الأمور تتجه نحو الأسوأ، الأمن يتدهور وهناك صعوبة في التنقل، ناهيك عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمعيشية اليوميةquot;. هذا ما قالته ندى التي تستعد وزوجها للانتقال إلى لبنان، مشيرة إلى أنها كانت ترفض هذه الفكرة بشكل قاطع سابقًا لكنها لم تعد تحتمل البقاء في سوريا.
ومثل العديد من المواطنين في دمشق، اعتقدت ندى أنها ستنتظر بعض الوقت في العاصمة إلى حين التوصل إلى حل بشأن الصراع السوري. لكن مرت الأيام ولم تسمع سوى أصوات القصف على معاقل الثوار في ضواحي المدينة القريبة.
وسرعان ما تحولت الصواريخ والغارات الجوية إلى انفجارات تخلف وراءها رائحة لاذعة، فتخوف الجميع من أن السلاح الكيميائي قد دخل سياق المعارك وبدأوا حزم الحقائب.
حتى دمشق لم تسلم من أعمال العنف، فقد أصبحت ساحة لعمليات اختطاف وتفجير السيارات واطلاق النار العشوائي في نقاط التفتيش التي يمر عبرها السكان في تنقلاتهم اليومية.
مواقد خارجية
فقد العديد من مهنيي الطبقة الوسطى وظائفهم بسبب صعوبة التنقل وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
فمن يخرج من منزله هذه الأيام يضطر للتنقل بين نقاط التفتيش والعودة إلى المنزل قبل أن يحل الظلام. ومن المستحيل تقريبًا الانتهاء من أي عمل أو وظيفة في هذه الظروف.
أما في المنازل، فبات نقص غاز الطهي وانقطاع الكهرباء امرًا شائعًا. في هذه المدينة التي كانت مزدهرة وعصرية، صار من الطبيعي أن تستخدم ربات البيوت المواقد الخارجية في الهواء الطلق لطهي وجبات الطعام.
كان الشهر الماضي نقطة تحول بالنسبة إلى كثيرين في دمشق، عندما قتل ما يقدر بنحو ستة آلاف شخص بعد تصاعد القتال حول العاصمة ومحافظة درعا الجنوبية.
وللمرة الاولى، بدأت قذائف الهاون والصواريخ تمطر على دمشق.
لا أريد طفلًا
في ما لا يقل عن اثنتي عشرة مرة، سقطت قذائف على الشوارع المزدحمة خلال ساعة الذروة وفي الحدائق العامة التي يلعب فيها الأطفال. وأدت الانفجارات إلى قلع الأشجار عن الأرصفة وتحطيم نوافذ المدارس والمحلات التجارية. أعلن الثوار مسؤوليتهم عن بعض هذه الهجمات، وألقوا باللوم على قوات الأمن الحكومية لتنفيذها باقي الهجمات.
تبادل الاتهامات نقطة خلافية بالنسبة للكثيرين في دمشق، الذين يشعرون بأنهم بين مطرقة الحكومة العنيفة واليائسة وسندان المعارضة التي تزداد قوة وتسلحًا. وتقول ندى إنها لم تعد تحتمل البقاء في البلاد لأنها تشعر وكأنها تنتظر قذيفة ما لتضرب منزلها وتودي بحياتها وبحياة زوجها. تضيف: quot;زوجي يريد طفلًا، لكن ذلك مستحيل الآن، فلن أنجب طفلًا وأنا غير متأكدة ما إذا كان بإمكاني العثور على الحفاضات والحليب واللقاحات، وكيف أنجب طفلًا وأنا أعلم أننا سنقصف يومًا بالسلاح الكيميائي؟quot;
التعليقات