نفط كردستان مميز بأنه الأفضل، وكأنه الذهب الخالص، ولهذا يلعب دورًا في رفع وتيرة الخلاف بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد، وفي دفع العالم إلى التلميح لإمكانية تفكك العراق في المستقبل.


لندن:تجمع المهندسون بقبعاتهم الصلبة على هضبة ترابية حارة في كردستان العراق، متحلقين حول أنبوب جديد للتوثق من نتائج الاختبار النهائي قبل أن يبدأ النفط بالتدفق للمرة الاولىمباشرة من المنطقة إلى تركيا. وتشير رائحة الكبريت النفاذة إلى نوعية النفط الكامن في باطن الأرض. وقال مدير العمليات جو ستاين عن النفط المتدفق: quot;إنه شمبانيا كردستانquot;. واضاف ستاين الذي يعمل للشركة التركية-الصينية التي تستثمر حقل طق طق: quot;إنه نفط خفيف جدًا، وجيد جدًا للمصافي، وهو ذو درجة عالية وسهل الانتاج، إنه نفط ذهبيquot;.
باحتياطات تبلغ نحو 45 مليار برميل، هي رابع اكبر احتياطات في العالم، وباحتياطات من الغاز يمكن الاستمرار في انتاجها قرنًا كاملًا، أصبحت حكومة اقليم كردستان لاعبًا كبيرًا في سوق مثيرة جيولوجيًا وحساسة سياسيًا. وفي غضون اسابيع قليلة، سيرتبط المقطع الأخير من أنبوب النفط الممتد من حقل طق طق بمحطة القياس في فيشخابور، ما سيتيح تدفق 300 الف برميل يوميًا عبر الأنبوب إلى تركيا. ويُخطط لزيادة الانتاج إلى مليون برميل يوميًا بحلول العام 2015، ومليوني برميل في العام 2019.

سلطوية المالكي
مما له مغزاه أن هذه المشاريع تُنفذ من دون موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد، التي تشتبك في نزاع مرير مع حكومة اقليم كردستان حول تفسير الدستور العراقي وتقاسم الثروة النفطية. ويرى مراقبون أن استقلال الاقليم الاقتصادي، وربما أكثر من ذلك، أصبح فجأة في متناول جزء من الشعب الكردي، الذي يعتبر أكبر مجموعة بشرية في العالم بلا دولة. وقال وزير الموارد الطبيعية في حكومة اقليم كردستان آشتي هورامي: quot;إن تقاسم الثروة أداة أساسية من أدوات السلطة، وإن بغداد بعدم تنفيذها الدستور تشجع على تقويض الاستقرار والتفككquot;.
ونقلت صحيفة غاردين عن هورامي قوله: quot;طريقنا الوحيد للبقاء هو التطور الاقتصادي، فالشعارات عن الديمقراطية لا تكفيquot;.
ويشكو المسؤولون في اربيل من أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يتشبث بالأساليب السلطوية والادارة المركزية نفسها التي ظن الأكراد أنها انتهت مع صدام حسين. وقال رئيس ديوان رئاسة اقليم كردستان فؤاد حسين: quot;هناك فجوة هائلة بين هذا العراق والعراق الآخر، فإن جيلي نشأ في العراق وكنّا جزءًا من المقاومة الكردية، أما الجيل الجديد فيتمتع بالحرية، ولن يقبل بالخسارة مرة أخرىquot;.

مشكلات عديدة
من القضايا العالقة الأخرى بين بغداد واربيل إلى جانب العقود النفطية، رواتب قوات البشمركة، بوصفها من مكونات المنظومة الدفاعية العراقية، وتعويض ضحايا حملات الابادة التي شنها صدام حسين ضدهم، والمناطق المتنازع عليها مثل كركوك التي هُجر منها الأكراد. لكن النفط والعلاقة الجديدة مع تركيا يمنحان حكومة اقليم كردستان اوراقًا قوية في لعبة الأمم. وكان المالكي زار اربيل الأحد للمرة الاولىمنذ عامين، في محاولة لترميم العلاقات، لكن محادثاته مع رئيس الاقليم مسعود بارزاني كانت رمزية لم تعالج ايًا من القضايا الرئيسية العالقة. وقال المالكي: quot;لا أنا ولا الرئيس بارزاني نملك عصًا سحريةquot;.
وحذر بارزاني من أن الجولة الجديدة من الاتصالات مع بغداد هي الفرصة الأخيرة، مشيرًا إلى دور الشركات العالمية المتزايد في الاقليم. وكانت شركة إكسون موبل العملاقة توصلت إلى اتفاق مع حكومة الاقليم وتركيا، مغامرة بتعريض مصالحها للخطر في جنوب العراق. واستنكر المالكي الاتفاق ووصفه بغير القانوني، لكن شركات أخرى مثل شيفرون وتوتال وغازبروم تقدم على مخاطر هي ايضًا، واستثمرت 50 شركة ما مجموعه 20 مليار دولار في اقليم كردستان. وقال مسؤول في حكومة الاقليم لصحيفة غارديان: quot;هذا كله نفط لم يعرف العراق انه يملكهquot;. ولاحظ الصحافي الكردي هيوا عثمان أن الخلاف حول عائدات النفط وتقاسم الثروة النفطية يعيد التذكير بصفحات سوداء من الماضي. وقال: quot;بالنسبة لحكومة اقليم كردستان، فانها تشعر وكأنها ما زالت تتعامل مع بغداد القديمة، التي عقوباتها مستلة من كتاب صدام نفسهquot;.

النار في بيت الجار
يشكل الاستقرار في اقليم كردستان قوة جذب كبيرة للمستثمرين الأجانب. وتتولى مسؤولية الأمن في حقل طق طق شركة بريطانية توظف قوات خاصة سابقة من جنوب أفريقيا، فيما تحمي محيط الحقل قوات كردية بمشاركة جهاز الأمن الداخلي الكردي (اسايش) المدرب على يد وكالة المخابرات الاميركية، بحسب صحيفة غارديان، مشيرة إلى أن اربيل اصبحت عاصمة العالم في التنقيب عن النفط. وقال آسوس هردي، رئيس تحرير صحيفة آوينة الكردية، إن النفط في كردستان لا يهم العراق وحده، بل يمتد إلى العلاقات مع سوريا وايران ومع الولايات المتحدة التي تعارض ما تفعله حكومة اقليم كردستان، quot;فالجميع يستخدم كردستان، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان يريد أن يلعب الورقة الكردية، فهذه هي لعبته وليس كردستان مستقلة.
وكان الغموض بشأن مستقبل الأكراد جزءًا من حياتهم على امتداد عقود. ولكن استثمار حقل طق طق وحقول أخرى والوضع السياسي المضطرب في تركيا وعطش العالم الصناعي الذي لا يرتوي إلى النفط وطموحات شركات النفط الكبرى كلها تعمل على إيجاد خيارات جديدة. وفي الوقت الحاضر يبدو أن موقف أكراد العراق التفاوضي يزداد قوة لحمل بغداد على التسليم بالنظام الفيدرالي الذي ينص عليه الدستور.
وقال حسين: quot;إذا لم نتمكن من التعايش فعلينا أن نتحدث عن شيء آخر، فنحن لسنا طرفًا في النزاع بين الشيعة والسنة ولكن إذا شب حريق في بيت جارك فإنه سيحرق دارك ايضًا في النهاية، وليس هناك رجل اطفاءquot;.

العراق يتفكك
سمع الأجانب الرسالة وهم يميلون إلى الاتفاق معها. ونقلت صحيفة غارديان عن دبلوماسي يقيم في اربيل قوله: quot;إن العراق يتفكك ببطء، وخلال العامين الماضيين دُفع الأكراد إلى الزاوية، ولم تعد بغداد مرجعيتهم، فبدأوا يبحثون في أماكن غيرها، والآن تتيح لهم تركيا امكانية تحقيق عائدات مالية من النفط، لكن النفط يمكن أن يكون فتيل تقسيم العراق، وإذا لم يكن هناك اتفاق على النفط لن يكون هناك عراقquot;.
ويعيش أكراد العراق، البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة، في وضع مستقر نسبيًا منذ نهاية حرب الخليج في العام 1991، عندما طُرد صدام حسين من الكويت، وفُرضت منطقة حظر جوي لحماية الأكراد.
وبعد أن شاع عنهم أنهم شعب لا صديق له سوى الجبال، تحالفوا مع القوة العظمى الوحيدة التي برزت في نهاية الحرب الباردة. ومنح دستور العراق الذي أُقر في العام 2005 حكومة اقليم كردستان قدرًا غير مسبوق من الحكم الذاتي.