يقترع المواطنون دومًا على أمل التغيير، والإتيان بوجوه جديدة إلى البرلمان، لكن الاملاءات الحزبية والعشائرية والدينية هي المتحكمة برقاب ممثلي الشعب، وبالحكومات المحلية، التي يصفونها بماكنات فساد ضخمة.


بغداد: مع بدء تشكيل الحكومات المحلية في العراق، ينقسم المواطنون بين متفائل ومتشائم، وبين آخرين لا يبدون اهتمامًا بالموضوع بشكل يثير التساؤل، وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد، بل إن مواطنين أدلوا بأصواتهم لصالح مرشحين معينين لكنهم مع ذلك يبدون يائسين من أي تغيير قادم ولعدة اسباب.

وأحد هذه الاسباب ما يرويه قاسم الليثي من قضاء طوريج في كربلاء، الذي يقول إنه كان مضطرًا لان يدلي بصوته في الانتخابات، بسبب عشيرته التي قررت المشاركة بصورة فعالة في الانتخابات لصالح مرشح معين، رفض الليثي الافصاح عن اسمه. ويعكس مخاض التفاهمات والتحالفات الجديدة بعد مضي ما يزيد على الشهر على انتهاء الانتخابات المحلية التي جرت في 20 نيسان (ابريل) المنصرم، في 12 محافظة عراقية، أن معالم خارطة سياسية جديدة بدأت تتشكل.

ويبدو الليثي يائسًا من أي حكومة محلية جديدة، لانها بكل بساطة ستكون تابعة لأوامر قيادات حزبية ودينية وعشائرية تفرض على اعضائها. ويقول الليثي: quot;ماكنة الفساد الضخمة تجعل الجميع يدور في فلكها، وبموجب ذلك لا انتظر من الحكومات المحلية الجديدة أن تمارس دورها المطلوب بسبب الولاءات الحزبية والعشائرية و المصلحيةquot;.

فساد مالي وإداري

وبسبب انتشار الفساد المالي والإداري، وظهور معالم الاثراء السريع بين الكثير من المتنفذين والمسؤولين في الحكومات المحلية، تجسدت صورة المسؤول الحكومي الجشع، الباحث عن المكتسبات الشخصية والحزبية للجهة التي ينتمي لها.

ويتابع الليثي: quot;اغلب الوجوه الجديدة تركت المواطن الذي انتخبها من الآن، وراحت تنسج علاقاتها مع المقاولين وأصحاب رؤوس الاموال، وأصحاب الوجاهات العشائرية والاجتماعية. وبحسب الليثي، كل المرشحين بلا استثناء يسعون إلى توظيف افراد اسرهم وأقاربهم، وهي عادة راسخة بين كل الذي تم انتخابهم.

وانتقد ممثل للمرجع الشيعي الاعلى في العراق آية الله علي السيستاني تأخر تشكيل مجالس الحكومات المحلية. وقال أحمد الصافي، خطيب جمعة كربلاء، إن المواطن يترقب تشكيل هذه الحكومات لإتمام المشاريع الخدمية.

ويشعر العراقيون بفوضى تحالفات تتبدل في كل وقت، حتى صار من الصعب متابعتها، بل صارت مثار سخرية في الشارع العراقي، لاسيما أنها لا تعتمد على الاتفاق على برامج سياسية أو خدمية، إنما الغرض منها كسب اكبر عدد من الاصوات لنيل جوائز المناصب.

وسعى ائتلاف دولة القانون إلى التحالف مع عدد من الكتل، بعد أن خسر المالكي الكثير من أرصدته في مقاعد المجالس المحلية، ليتسبب ذلك في فسح الطريق امام منافسيه لإزاحة ائتلافه عن حكومات المحافظات.

يأس من الأزمات

يقول المدرس حميد معلة من بابل إنه سعيد لأنه لم يشارك في الانتخابات في محافظته التي أفرزت الوجوه ذاتها التي فشلت طيلة سنوات في حل مشاكل المواطنين وأزماتهم الكثيرة، ومنها أزمة السكن والبطالة والفساد الإداري وغياب الخدمات.

وبحسب معلة، فإن اغلب المواطنين يشعرون باليأس لأن غرضهم من المشاركة التغيير الذي لم يتحقق حيث اعتلت الوجوه نفسها المشهد السياسي. وشارك في الانتخابات الاخيرة 8138 مرشحًا في جميع المحافظات العراقية، تمكّن 447 منهم فقط من الحصول على مقاعد في مجالس المحافظات فيما خسر 7691 الجولة.

ويرى معلة أن الناس مصابة بعمى سياسي، quot;فمن المفروض أن يتم التغيير بشكل جذري بسبب الفساد والفوضى الامنية، وعدم التقدم في مجال الخدمات طوال عمر الحكومة المحلية، واذا بالأصوات الانتخابية تعيد ترشيح الوجوه نفسها تقريبًاquot;.

ويعتقد الاكاديمي عامر الجبوري أن تكرار فوز الوجوه ذاتها يعود إلى اعتمادها على الثقل العشائري، والعلاقات الاجتماعية، والولاء المناطقي وليس على اساس الكفاءة و التحصيل العلمي و الاكاديمي.

وإذا كان الجبوري متشائمًا ايضًا من امكانية حصول تغيير كبير نحو الاحسن، لاسيما في مجال الخدمات، فإن رؤوف محسن، وهو موظف بلدي، يرى العكس، قائلًا إنه واثق من أن الحكومات المحلية الجديدة ستتجاوز أخطاء السنوات الماضية، وستعمل بوتيرة أسرع ونسبة فساد اقل.

يضيف: السبب في ذلك يعود إلى أن الكتل السياسية بدأت تتزاحم على تقديم الخدمات إلى المواطن، وان أي خلل في هذا المجال سيؤدي إلى خسارتها في أي انتخابات قادمة، والدليل على ذلك أن الكثير من المحافظات العراقية لفظت الوجوه القديمة وجاءت بوجوه جديدة على امل التغييرquot;.

الوعي متدنٍ

على طريق التوصل إلى تحالفات قوية تشكّل الحكومات المحلية، أعلن الائتلافان (المواطن) الممثل للمجلس الأعلى الاسلامي العراقي برئاسة الحكيم و(الأحرار) الممثل للتيار الصدري بزعامة الصدر، تشكيل ائتلافات بينهما لوضع اسس إدارة الحكومات المحلية.

وعلى الرغم من أن الوعي الانتخابي ما زال دون الطموح، الا ان محسن يقول إنه افضل من الدورة الانتخابية السابقة، وإن الناس لم تعد تنطلي عليها الوعود غير القابلة للتحقيق. لكن محسن يعترف بأن الدور العشائري والمناطقي والحزبي يبقى الحاسم في أي انتخابات جديدة مقبلة.

ويقول المرشح الخاسر طارق حسن إن نتائج الانتخابات أتت بالنتائج المتوقعة، فأحزاب السلطة والنفوذ هي التي اكتسحت النتائج لصالحها مجددًا، على الرغم من أن بعض القوى خسرت الكثير من مقاعدها، لكنها ما زالت تتمتع بقوة الشارع وهي التي ترسم اليوم ملامح الحكومات المحلية.

ويتابع: quot;لماذا اعطى الشارع العراقي اصواته مجددًا لهذه القوى، اذا فشلت طوال سنوات في تأمين الامن وتوفير الخدمات؟quot;. وبحسب حسن، فإن التحالفات اليوم بين القوى المتنفذة هي التي تحدد اصحاب القرار بعدما حسمت اصوات الانتخابات الموقف لصالحهم.

قبول بالامر الواقع

بالنسبة للإعلامي محمد الخالصي، الذي يعمل لراديو بابل، فإن الجمهور العراقي مضطر إلى القبول بالامر الواقع الذي افرزته الانتخابات، كحالة مشروعة لا بد له أن يتعامل معها مهما كان رأيه المسبق عنها.

وبحسب الخالصي، فإن هذا الواقع يتعامل معه المواطن بشيء من عدم الثقة، بسبب تردي الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ظل حكومات منتخبة اصلًا. وتابع القول: quot;هناك تبدّلات وتغيّرات كثيرة في مشهد الحكومات المحلية الجيدة، لكن تغيرت وفق الطائفية السياسية والحزبية التي افضت إلى طبقة سياسية كما هي لم تتبدلquot;.

وفي محافظة مثل بابل، حيث المشهد الانتخابي اعاد الوجوهذاتها تقريبًا، فإن سعد الحسيني يقول إنه لا يمكن أن يلدغ من جحر مرتين، وهو نادم على المشاركة في انتخابات لم تُحدِث التغيير المطلوب. يضيف: quot;عدم الثقة التي تسود الناس في الشارع وصلت إلى الحد الذي يتداول فيه الناس انباء تفيد بأن حتى عمليات الاقتراع متفق عليها سلفًاquot;.