سرعان ما تراجعت قضية سيناء من التداول الإعلامي والوطني بعد الإفراج عن الجنود المختطفين، ويأخذ سكان سيناء على الدولة أنها تهتم بالمنتجعات والطرقات التي تربط بينها على حساب تهميشهم، وتنظر إلى منطقتهم كأنها تشكل تهديدًا أمنيًا يستدعي مراقبة شديدة، ما خلق علاقة سيئة بين المواطنين والقوات الأمنية.


فيما تنشغل الصحف المصرية في قضايا متنوعة وتفرد صفحاتها الأولى للقضايا الساخنة مثل قرار الرئيس محمد مرسي بإغلاق السفارة السورية، واستبدال نصف المحافظين في البلاد، والتوتر بين مصر وأثيوبيا بشأن خطط بناء سد النيل، وتعيين أحد المسؤولين عن هجوم إرهابي محافظًا، تترك سيناء على الهامش وكأنها غائبة عن عقول المصريين مما يزيد سكانها سخطًا.

شبه جزيرة سيناء من أشد المناطق المصرية فقرًا وغضبًا في الوقت عينه، واحتمالات انزلاقها نحو الفوضى مرتفعة للغاية بعدما أصبحت ملاذًا للجماعات الإسلامية المتشددة وأرضًا خصبة لتجنيد وتدريب المتطرفين.

لا أحد يعلم ما يجري في سيناء، فالتصريحات التي تصدر منها أو عنها غامضة، وتقتصر على التسريبات. هذا الأمر بدا واضحًا بعد عملية الاختطاف في أيار/مايو بحق جنود مصريين، إذ لم تُعرف الجهة المسؤولة عن العملية ولا مطالبها، كما لم يتم الكشف عن التقديمات أو الوعود التي أطلقت من أجل تحرير المخطوفين.

على هامش الوطن
على الرغم من هذا الغموض، وبغضّ النظر عن الدوافع والنتائج، تراجعت قضية سيناء سريعًا من الاهتمام الوطني بعد الإفراج عن الجنود، وعادت إلى الهامش، الذي وضعت على جانبه، لتطغى عليها مخاوف القاهرة المركزية والمحادثات الوطنية.

في هذا السياق، نقلت صحيفة الـ quot;تايمquot; الأميركية عن عمرو حمزاوي، العضو السابق في مجلس الشعب، قوله إن الوضع في سيناء سيىء لدرجة مروعة، مشيرًا إلى أن quot;المنطقة تعاني من مشكلة أمنية وتنموية تحتاج جهودًا تنموية وحملة تكامل لسنواتquot;.

ما يثير الاستغراب في إهمال هذه المنطقة وتهميشها، هو إغفال أهمية موقعها المهم سياسيًا واقتصاديًا بالنسبة إلى البلاد، فسيناء تقع على الحدود مع إسرائيل وقطاع غزة، كما إن قناة السويس تجعل منها موقعًا استراتيجيًا.

نظام الرئيس السابق المخلوع حسني مبارك تنبّه لهذه العوامل، فازدهرت السياحة في شرم الشيخ، ومنها إلى القاهرة. لكن على الرغم من جهود وإنجازات التنمية التي شهدتها بعض المناطق في سيناء، إلا أن السكان لم يستفيدوا منها شيئًا، إذ تعود الأرباح إلى جيوب رجال الأعمال في القاهرة أو الأجانب الذين يستثمرون فيها.

وقال سعيد عقل، المحلل السياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن سكان سيناء لا يستفيدون من المشاريع والاستثمارات التي تقام على أرضهم، مضيفاً: quot;الأموال كلها تصبّ لدى الأجانب أو القاهريين، وهؤلاء الناس لا يملكون شيئًا على الإطلاقquot;.

المراقبة وتّرت العلاقة
يقول سكان سيناء إن الحكومة المركزية تهتم فقط بالمنتجعات والطرقات التي تربط بينها، معتبرين أن القاهرة تنظر إلى سيناء باعتبارها تهديدًا أمنيًا يفرض مراقبة وحراسة شديدتين، الأمر الذي أدى إلى خلق علاقة سيئة بين المواطنين والقوات الأمنية.

في محاولة لتخفيف معاناتهم من الفقر والتهميش، لجأ البعض إلى أعمال التهريب. قبيلة السواركة تقوم بتهريب السلع من الأنفاق عبر الحدود إلى قطاع غزة، وسرعان ما وجدت نفسها في قلب تجارة غير مشروعة ndash; وإنما مزدهرة ndash; تعود عليهم بالمال، الذي بدوره ساهم في صنع طبقة جديدة من التجّار شبه الإجراميين والمسلحين.

تضرر الوضع الأمني في سيناء بعد الثورة، حيث سادت الفوضى والانفلات، واستغل مرسي ذلك على الساحة السياسية، بعدما استخدم الحادثة، التي أدت إلى مقتل 16 جندياً مصرياً في سيناء كذريعة لإبعاد منافسيه على الرئاسة من الجيش.

ما تحتاجه سيناء هو عملية تنمية متكاملة تنتشلها من التغييب والإهمال لتضعها على قائمة أولويات الحكومة. هذه الجهود تتطلب ربط سكان سيناء ببلادهم عبر استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتكامل الإقتصادي وفتح أبواب العمل أمام البدو.

لكن هذه الإستراتيجية سوف تتطلب تحويل الموارد الوطنية المهمة لشيء لا يراه المصريون أولوية بالنسبة إليهم، فبعد كل شيء، يبدو أن التنمية في سيناء ليست من ضمن أولويات الحكومة.

في هذا السياق، يقول خليل: quot;إذا أراد الناس النزول إلى الشارع والتظاهر ضد الحكومة، فالأمور التي ستدفعهم لذلك هي غلاء الأسعار والرغيف والغاز، إنما ليس سيناءquot;.