تعيش تونس على وقع الحوار المتلفز مع الشخصية الأكثر اثارة للجدل منذ الثورة، انه الجنرال رشيد عمار الذي يتردد انه هو من قاد البلاد من خلف ستار منذ هروب بن علي. عمار استقال على الهواء مباشرة، وحذر من صوملة تونس، ورجّح كثيرون استعداده للترشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة.


محمد بن رجب من تونس: أثار التصريح التلفزيوني للقائد العام للجيوش التونسية الثلاثة، الجنرال رشيد عمار ردود فعل متباينة في الأوساط السياسية والشعبية خاصة وقد مرر من خلال حواره المتلفز عديد quot;الرسائل المشفرة quot; كما قام بتشخيص للواقع الأمني الذي تعيشه تونس.

وعاب سياسيون على الجنرال النافذ عمار تجاوزه quot;جانب التحفظquot; الذي تتميز به المؤسسة العسكرية إلى جانب اختياره قناة تلفزية خاصة للإدلاء بمعلومات هامة.

وأكد متابعون أنّ إصرار رشيد عمار على الاستقالة من منصبه في هذا الوقت بالذات، يؤكد أنه يستعد للترشح ليكون الجنرال الثاني الذي يحكم تونس بعد الجنرال بن علي الذي فرّ يوم 14 يناير 2011 بينما استبعد البعض أن يثق الشعب التونسي في عسكري آخر جراء ما حصل في عهد بن علي.

استقالة غير متوقعة

أعلن قائد أركان الجيش التونسي رشيد عمار وهو شخصية مثيرة للجدل في وقت متأخر الاثنين مغادرة منصبه والتقاعد مفجرا جدلا واسعا بشأن خروجه في هذا الوقت بينما تعيش البلاد توترا سياسيا.

وأعلن الجنرال رشيد عمار تنحيه عن منصبه في قرار يتوقع أن يلقي بظلاله على الوضع السياسي المتعثر في البلاد.

وأكد عمار (65 عاما) في أول ظهور إعلامي له على قناة quot;التونسيةquot; الخاصة ليل الاثنين/ الثلاثاء، تقديم طلب إعفائه من منصبه إلى الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي، الذي قبله.

وقال الجنرال quot;قررت ترك الخدمة لأني كبرت أكثر من اللزوم. سأتنحى بموجب الحد العمريquot;. وأضاف quot;قدمت الكثير وأعطيت الكثير واعتبر نفسي أني نجحت في مهامي عندما انتهى النظام السابقquot;.

وبلغ رشيد عمار سن التقاعد منذ سنة 2006 لكن تم التمديد أكثر من مرة في مهامه. ويتعين الآن على المرزوقي باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة تكليف شخصية عسكرية أخرى لخلافة رشيد عمار لكن الطبقة السياسية المعارضة ستكون بحاجة إلى ضمانات حتى يتم الإبقاء على الجيش على الحياد وبعيدا عن التجاذبات السياسية.

ونال الجيش التونسي بقيادة الجنرال عمار سمعة طيبة إبان اندلاع الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي في 14 كانون ثان/يناير لرفضه إطلاق النار على المتظاهرين، والانحياز إلى الشعب.

توقيت غير مناسب

استنكر هيثم بلقاسم، رئيس كتلة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في المجلس الوطني التأسيسي في إفادة لـquot;إيلافquot; تصريح الجنرال رشيد عمار باستقالته على قناة خاصة، فهيبة الدولة واستقلالها وعمقها لا تسمح بأن تطرح الاستقالة بهذه الطريقة، على حدّ تعبيره، فرشيد عمار هو القائد العام للجيوش الثلاثة وبالتالي هناك مؤسسات في هذه الدولة كان يجب احترامها.

يقول بلقاسم: quot;رشيد عمار هو مواطن تونسي والأكيد أنّه كقائد عام للجيوش، له إيجابيات وكذلك سلبيات، أنا ضد الشخصنة ، وأي مؤسسة لا يمكن أن تقف على شخص بعينه، فقد كان في وقت من الأوقات شخصا محوريا في تونس، وقد طلبت منه رئاسة الجمهورية مواصلة العمل حتى الانتخابات القادمة خاصة في هذه الفترة الهامة من تاريخ تونس، لأنه يفهم جيدا ما يدور في المؤسسة العسكرية، والتوقيت غير مناسب للاستقالة، وإذا أصرّ على ذلك واختار التقاعد فله ذلكquot;.

من ناحيته، اعتبر رئيس حزب المجد عبد الوهاب الهاني في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ quot;التوقيت غير مناسب بالمرةquot;، والمطلوب من رئيس الجمهورية كقائد أعلى للقوات المسلحة يقوم بممارسة صلوحياته أن يطلب من الجنرال عمار البقاء على رأس المؤسسة العسكرية لصعوبة الوضع الذي تمر به تونس وخاصة مواجهة الإرهاب، فالبلاد تحتاج أشهرا لإنهاء المرحلة الانتقالية وتركيز المؤسسات الشرعية الدائمة.

وأكد الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية عدنان منصر أنّ الفريق أول رشيد عمار قدم فعلا طلب الاستقالة إلى رئيس الجمهورية الذي حاول إثناءه عن ذلك لكنه أصر على التقاعد.

ملفات حارقة

يقول هيثم بلقاسم إنّ رشيد عمار تطرق إلى عديد الملفات في حواره، ولكن الشعب التونسي ما يزال يطالب بمعرفة ما حصل يوم 14 يناير 2011، تاريخ هروب الرئيس السابق، بصفته شاهدا على ذلك، وذات التساؤلات تطرح بالنسبة لملف القناصة والشهداء.

وأوضح الهاني أنّ الجنرال عمار مرر عديد الرسائل فيها تطمين للشعب التونسي خاصة بالنسبة لما يحدث في جبل الشعانبي وإحاطة الرأي العام علما بحقيقة التحديات والمجهود الذي يبذله الجيش الوطني، لكنها في نفس الوقت راوح بين الرغبة في الطمأنة والتنبيه إلى المخاطر المحدقة بتونس، تطمين على مؤسسات الدولة والوضع العام سياسيا حيث هنالك أرضية للحرية، ولكن في نفس الوقت دق ناقوس الخطر بخصوص موضوع الإرهاب واستعمل عبارات حادة والهدف كما قال هو قلب نظام الدولة في تونس من طرف متشددين.

خطوة مدروسة

يقول المحلل السياسي نصر الدين بن حديد لـquot;إيلافquot;:quot; لا يمكن لإطلالة الجنرال رشيد عمار بالزي الرسمي على قناة تلفزيونية أن تكون حلقة بين حلقات برنامج مهما كان، ولا يمكن لقوله أن ينحصر ضمن ما نسميه quot;سبقا صحافياquot;.

وأكد أنّ الخطوة مدروسة من رجل تعلم أن يجعل العقل رأس الفكر وإن كان زمن العاصفة.

واجب التحفظ

يرى عضو المجلس الوطني التأسيسي هيثم بلقاسم أنه كان على رشيد عمار ألا يطرح معلومات هامة جدا، تعتبر سرية وخاصة بالمؤسسة العسكرية والأمنية.

وأشار إلى أنّ القول إنّ quot;نفس المجموعة الإرهابية هي التي كانت وراء الأحداث التي حصلت في جبل الشعانبي وبئر علي بن خليفة والروحيةquot; تعتبر معلومات لا يمكن أن تطرح في قناة تلفزية، إذ كان على الجنرال عمار أن يطرح هذه المعلومات في مؤسسات تونسية رسمية على غرار المجلس الوطني التأسيسي أمام رؤساء الكتل النيابية.

أضاف:quot; لقد بنينا في تونس وطيلة خمسين عاما تقاليد بتحييد المؤسسة العسكرية التي تعتبر صمام أمان لكل التونسيين، فالعسكريون دائما محايدون وغير مسيّسين، لذلك نرجو من رشيد عمار أن لا يتحدث في أمور سياسية ويواصل في نفس منهج المؤسسة العسكريةquot;.

واعتقد عبد الوهاب الهاني رئيس حزب المجد أنّه على مستوى الشكل، كان على الجنرال رشيد عمار واجب التحفظ، وإن لزم الأمر كان عليه اختيار قناة عمومية للتعبير عن رأيه.

هل يكون الجنرال الثاني ؟

ذهب بعض المحللين السياسيين إلى الحديث عن رغبة رشيد عمار في الترشح إلى رئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة من خلال تركيزه على ما هو سياسي في حواره التلفزي.

أوضح عبدالوهاب الهاني أنّ رغبة عمار في التقاعد وهي رغبة مشروعة، مشيرا إلى quot;تأويلات غير معقولةquot; فالشعب التونسي، عاش استثناء في تاريخه يتمثل في قيادة البلاد من طرف رئيس عسكري ومن المستبعد أن يقبل الشعب من جديد رئيسا عسكريا لأن الرئاسة تميزت بنوع من التشدد المبالغ فيه.

وقال الهاني:quot; أعتقد أنّ هناك مزايدات سياسية في إمكانية ذهاب الجنرال عمار للترشيح إلى رئاسة الجمهوريةquot;.

ويشير هيثم بلقاسم إلأنّ رشيد عمار يمكن أن يترشح لرئاسة الجمهورية كأي مواطن تونسي وعلى الشعب أن يختار من يشاء.

أما المحلل السياسي الصافي سعيد فقد أكد على إحدى القنوات التلفزية أنّ الجنرال رشيد عمار استقال استعدادا للترشح لرئاسة الجمهورية، مشددا على أنّ الشعب التونسي سيزكّيه و يقبله رئيسا ليكون الجنرال الثاني بعد بن علي.