في العراق ما يزيد على 500 طفل غير مجنّس هم نتاج زيجات بين نساء عراقيات وأفراد القاعدة والجماعات المسلحة، حيث يتضاعف هذا الرقم اذا تم الأخذ في الاعتبار العائلات التي ترفض التعاون وابداء المعلومات حول الاطفال مجهولي النسب. وإضافة الى ذلك، فإن هناك نسبة من الاطفال غير الشرعيين ممن يرمون على قارعة الطرقات بسبب علاقة جنسية محرمة.

بغداد: يمثل الاطفال مجهولو النسب في العراق ظاهرة اجتماعية مقلقة بسبب عدم قدرة السلطات على ايجاد quot;مخارجquot; قانونية لها في معظم الحالات، وفي الوقت نفسه عدم قدرة المجتمع الذي تحكمه قيم وتقاليد على التماهي والانسجام والتجاوب مع هؤلاء الاطفال، لاسيما اولئك الذين ولدوا عن زيجات لنساء عراقيات من اعضاء التنظيمات المسلحة في المناطق الساخنة.
واحدى ضحايا هذه الزيجات التي لم تعمر طويلاً، قصة الفتاتين هند وخديجة، اللتين لا تمتلكان جنسية وتجهلان حقوقهما المدنية، فإن سبب معاناتهما الوحيد أنهما ولدتا من أب سوري كان مقاتلاً في صفوف القاعدة قتل العام 2007 في تفجير انتحاري قرب بغداد، وأم عراقية.
الارملة المنقبة أم هند
وتقول ام هند، الارملة المنقبة إن زواجها كان دينيًا ولا يحمل أي صفة رسمية، تم بموجب ضغوط من والدها الذي أجبرها على الزواج بـ (جهادي) كما يسميه والدها اكرامًا له لقتاله القوات الاميركية على أرض العراق.
ورغم مضي سنوات على ولادة هؤلاء الاطفال المجهولي النسب الا أن قضيتهم لم تُحل بشكل قرار حكومي رسمي الى الآن. وتقول ام هند إنها قابلت اكثر من خمس قنوات تلفزيونية سجلت حديثها وصوّرت حالتها ووعدوها بتوفير حل لمشكلتها، الا أن ذلك لم يحدث رغم مضي عدة سنوات.
وتقول ام هند: لا اريد سوى الحصول على اوراق رسمية لإبنتيَّ لكي تستطيعا مواصلة مشوار حياتهما مثل أي عراقي، مؤكدة أن القاضي لدى تقديمها شكوى حول مشكلتها قال لها إن لا دليل لديها على أنها اجبرت على الزوج بلا عقد.
ولا تقتصر مشكلة هند وخديجة على عدم القدرة على التسجيل في المدرسة، بل أن المجتمع يُسمِعهما كلاماً قاسياً مثل : انكما اولاد مجرمين وليس مجاهدين أو يطلق على الطفل المجهول النسب لقب (نغل) ويٌقصد به في اللغة العراقية الدارجة الطفل مجهول النسب، بغية الحط من شأنه. لكن ما يصبّرها كما تقول إن رجل دين أخبرها أنها يجب أن تصبر حتى يكتب الله لها النصرة ويسعد حياتها.
وبحسب لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، هناك ما يزيد على 500 طفل غير مجنّس في العراق هم نتاج زيجات بين نساء عراقيات وافراد القاعدة والجماعات المسلحة، و يتضاعف هذا الرقم اذا اخذنا في الاعتبار العائلات التي ترفض التعاون وابداء المعلومات حول الاطفال مجهولي النسب.
وإضافة الى ذلك، فإن هناك نسبة من الاطفال غير الشرعيين ممن يرمون على قارعة الطرقات بسبب علاقة جنسية محرمة. وتنص اتفاقية الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989 على تسجيل الطفل بعد ولادته فورًا ويكون له الحق بأن يكون له اسم مع اكتساب جنسية والحق بمعرفة والديه والعيش وتلقي الرعاية.

ضحية العنف
وفي مدينة اللطيفية ( 35كم جنوب بغداد ) تقول عائشة محمد أن امها تزوجت من أحد مسلحي تنظيم القاعدة في العراق، حيث اختفى والدها فجأة عام 2008، بينما توفيت والدتها العام الماضي بسبب المرض لتظل في كنف خالها الذي يقول عنها إنها ضحية العنف.
وفي المناطق التي تواجَدَ فيها تنظيم القاعدة وتنظيمات مسلحة أخرى، مثل محافظات ديالى والموصل وجنوبي بغداد، ومناطق شمالي محافظة بابل وصلاح الدين،لاسيما في الاعوام 2005 الى 2011، يوجد العشرات بل المئات من الأطفال الذين ولدوا نتيجة تزاوج الفتيات العراقيات مع اعضاء التنظيمات، بحسب ضابط الشرطة كمال الخزرجي.
وكانت التنظيمات المسلحة فرضت سيطرتها على مناطق واسعة في محافظات الانبار وديالى ونينوى وصلاح الدين بين عامي 2004 و2009 وأقامت عليها (دولة اسلامية) وسيرت اعمال الناس وفق محاكم شرعية.
وفي حديث مع أحمد جاسم، مدير مؤسسة quot;نورquot; الاجتماعية التي تهدف الى وضع الحلول المناسبة لأولئك الاطفال فإن عشرات الاطفال في ديالى كانوا نتيجة زيجات ارتجالية، تحت تأثيرات مذهبية.
ويقول الخبير القانوني رحيم كامل من مدينة الحلة مركز محافظة بابل (100 كم جنوبي بغداد) إن تسجيل هؤلاء الاطفال قانونيًا في سجلات النفوس غير ممكن، مشيراً الى عشرات الاطفال الذين يسكنون في مناطق شمال بابل. وبحسب كامل، فإن مقترح تسوية الملفات القانونية لهؤلاء يثير حساسية لدى وزارة الداخلية، لأنها بحسب مفهوم الوزارة تسهم في تشجيع الارهاب.
وتوجب المادة 46 من قانون المرافعات المدنية، اسم الزوج باعتباره معلومة جوهرية لا غنى عنها مطلقاً، ودونها تبطل عملية تسجيل الطفل، حيث يشترط القانون اثبات واقعة الزواج ليتم اثبات النسب.
ويقول كامل إن الحل الامثل لهؤلاء عبر تسوية اوضاعهم قانونيًا وتوفير الاساليب والبرامج التي تسهم في دمجهم اجتماعيًا في المجتمع عبر دور أيتام ومراكز تأهيل اجتماعية.
ويحذر كامل من أن هؤلاء الاطفال والفتيان، سيتحولون الى اجيال جديدة من المسلحين اذا لم يتم احتواؤهم.
ويؤكد رعد الدليمي احد سكنة منطقة (عرب جبور) جنوبي بغداد، والتي شهدت اقامة التنظيمات المسلحة فيها لسنوات، أن هناك الكثير من الأسر التي نجحت في تسوية الاوضاع القانونية لهؤلاء الاطفال عن طريق رشوة الموظفين. ويتابع : نجحت في تسجيل شهلاء مصطفى التي ظلت بلا والدين طيلة سنوات، حيث تحمل الجنسية العراقية الآن.
وكانت والدة شهلاء تزوجت مقاتلاً عراقياً أيضًا ينتمي الى الجماعات المسلحة حيث قتل عام 2009. اما والدتها فقد تركتها وتزوجت شخصاً آخر وهاجرت الى سوريا عام 2010. ويتابع : بمساعدة أسرتي، استطعنا من تأهيلها لتصبح فرداً في اسرتنا خصوصًا بعد تسوية اوضاعها القانونية.

المشاكل القانونية والاجتماعية
ويعتقد الدليمي أن الكثير من الأسر نجحت في تسجيل هؤلاء الاطفال في الاحوال المدنية عبر استخدام نفوذ المال، لكن الأسر الفقيرة التي لا تمتلك القدرة على الدفع، فشلت في حل هذه المشكلة.
وبحسب الدليمي، فإنه كلما كبر الطفل زادت المشاكل القانونية والاجتماعية التي تحيط به وبمرور الزمن يتحول الى شخص حاقد على المجتمع وغير ملتزم بالقانون.