في سابقة أولى من نوعها في الجزائر، اجتاح فريق من العشاق جسر تيلملي الشاهق في أعالي العاصمة، وأعلن هؤلاء الجسر المذكور حديقة حب، لكن المبادرة قوبلت برفض فعاليات اجتماعية وأمنية، فتصدّت الشرطة للعاشقين لافتقادهم إلى الترخيص اللازم، بينما هبّت رياح التزمّت والانغلاق.
كامل الشيرازي من الجزائر: في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot;، نوّه لزهاري لبتر، وهو كاتب وشاعر حداثي، أن مبادرة تحويل جسر تيلملي إلى حديقة حب، والتي يعدّ أحد عرّابيها، جميلة وعميقة المغزى، ولا يمكن لمبدع مثله كرّس شعره للمرأة أن لا يُساهم في دفع خطوة حبّية مشرقة، من شأنها إضفاء ترياق مخملي، يزيل ذاك النمط السوداوي، الذي ظلّ عالقًا بجسر الرعب، حيث أنهى عدد غير قليل من شباب الجزائر الغضّ حياتهم هناك، احتجاجًا على المرارة التي تجرعوها مطوّلًا في بلدهم.
أقفال وبدع
بيد أن العشاق الذين تواعدوا على جسر الحب أماسي كل سبت، فوجئوا بجماعات من مواطنيهم quot;الأشباحquot;، يضيّقون عليهم الخناق، في حين أشار ناشطون إلى أنهم بوغتوا بأفراد من الشرطة يطردونهم من المكان. وحينما سأل هؤلاء المعنيين عن دواعي الطرد، قالوا إنّه يتعيّن عليهم جلب رخص، وهو ما رآه جمهور العشاق عبثيًا.
وتتساءل الناشطة سعاد في هذا الصدد: quot;هل صار الحب في الجزائر يحتاج ترخيصًا؟quot;. وعلى الفور، أجابها أحد رجال الأمن بصرامة: quot;نعمquot;.
وبعدما زيّن العشاق قبل أيام أطراف الجسر الحديدي بأقفال الحب الشهيرة، ورموا بمفاتيحها بعيدًا، كناية على تأبيد الارتباط وتكريس الوفاء بينهم، قام ناشطون معارضون للمبادرة بكسر تلك الأقفال في الظلام. ولم يخف أسامة رفضه القاطع لما سمّاه بدعة في هذا الشأن، وعلّق غاضبًا: quot;هو الجهل واﻷمّية ليس إلا، أنا عندما أحبّ امرأة أتزوّجها على الفور، من دون أن أمارس هذه البدع!quot;.
عودة الظلاميين
على النقيض، يستغرب سمير وعبد المجيد وأمير ونوال وندى ونسيمة ذاك الاستنفار ردًا على جسر الحبّ، ويستفهم محدثونا عمّا إذا صار الحب العذري مزعجًا إلى هذا الحدّ، في وقت يركّز أيمن على أن قوى الرجعية، ومن نعتهم بالظلاميين، عادوا بقوة إلى الجزائر، بعد كل الذي نسجوه قبل عقدين، في إشارة إلى الحصار، الذي فرضه المتشددون في نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي على المجتمع الجزائري، وما أفرزه ذلك من احتقانات.
وفيما تحدى نبيل أن يكون من وضعوا تلك الأقفال quot;رجالًا ونساءquot;، ارتضى فريد معارضة الأمر من زاوية أن quot;سحر القفل من الأعمال السحرية الخطيرة المحرّمة، التي تقوم بها بعض النساء عادة للرجال أو العكس، حيث تطلب المرأة من الساحر أن يربط زوجها أو شخصًا تحبّه عن جميع النساء، فلا يصل إليهن بجماع أو زواج أو غيرهquot;.
أنوميا!
ويذهب الكاتب والسوسيولوجي الدكتور حبيب أبو خليفة إلى أن ما يحصل يؤشر إلى التناقضات المدمّرة الموجودة في المجتمع المحلي، quot;الذي انشطر حيال مبادرة تتطلع إلى تتويج معجزة السعادة وقلب جسر الأموات إلى خلية تموج بالأحياءquot;. بنظر أبو خليفة، يتعلق الأمر من الناحية السوسيولوجية بوسط جزائري يعيش حالة أنوميا anomie، وتعني فقدان المعايير اللازمة لبناء وتنظيم المجتمع.
ويفسّر أبو حليفة التعامل الأمني بكون الأخير جزءًا من الكل، يلعب بأوتار التوازن داخل ضباب يلفّ الأهداف والمشاريع، quot;أما المتزمّتون فهم قطيع لا يفقه شيئًا في الحياة ولا في الحضارة، وأفراده شبه هائمين يسعون إلى تأكيد وجودهم عبر أي شيءquot;.
فالمسألة لم تتوقف بين العشاق ومعارضيهم، بل جعل منها البعض مادة للسخرية، إذ اقترح أحدهم أن يقوم عمار غول، وزير النقل الجزائري، ولويزة حنون، زعيمة حزب العمال، بالتعبير عن حبّهما للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، عبر وضع قفل في الجسر المثير للجدل، بعدما برز كل من غول وحنون بدعوتهما إلى التمديد لبوتفليقة بعد نهاية ولايته الحالية في نيسان (أبريل) 2014.
التعليقات