ثمة مراسلات ودية بين الرئيسين الأميركي والإيراني باراك أوباما وحسن روحاني، ومن المتوقع أن يلتقيا على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ما قد يرسي قواعد جديدة للعبة الاقليمية، أول ضحاياها بشار الأسد.


لم يوضع الاتفاق الاميركي ـ الروسي بشأن الأسلحة الكيميائية التي يمتلكها النظام السوري على محك التنفيذ منذ التوصل اليه، بعد أن استخدم رئيس النظام السوري بشار الأسد الغاز السام ضد شعبه على مرأى من العالم. وما زالت واشنطن وموسكو مختلفتين على ما سيحدث إذا لم ينفذ الأسد التزامه.

ورغم ذلك، يجري تسويق الاتفاق على انه مقدمة للفوز بجائزة أكبر هي التوصل إلى اتفاق مع إيران يكبح طموحاتها النووية.

وأصبحت سوريا الجبهة الأمامية لصراع اقليمي أوسع، تقف فيه إيران وحزب الله والحكومة التي تسيطر عليها احزاب شيعية في العراق مع الأسد، فيما تدعم دولٌ عربية كبيرة المعارضة السورية. لكن المراقبين يرون أن ما يحدث في علاقة الغرب مع إيران يؤثر في ميزان القوى في عموم الشرق الأوسط يمكن أن يغير قواعد اللعبة الاقليمية جذريًا.

تراسل ودي

كان الرئيس الاميركي باراك اوباما وجه رسائل كُتبت بلغة ودية إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي وصف كلمات الرئيس الاميركي بأنها خطوات دقيقة وصغرى من اجل مستقبل بالغ الأهمية. واتخذ روحاني، بدعم من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي على ما يبدو، خطوات دقيقة من جهته بالافراج عن سجناء سياسيين وتعيين مستشارين ومعاونين ذوي مصداقية بنظر الغرب.

ويلاحظ المراقبون أن وزير الخارجية محمد جواد ظريف كان سفير إيران لدى الأمم المتحدة، وامين مجلس الأمن القومي علي شمخاني وزير دفاعها في عهد الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي، الذي اقترح على الولايات المتحدة في العام 2003 مساومة كبرى لتسوية كل الخلافات الثنائية، من الملف النووي إلى الارهاب.

لكن المقترح لقى رفضًا من الرئيس جورج بوش، الذي كان مختالا باسقاط نظام صدام حسين قبل أن ينتهي به المآل إلى تسليم العراق لإيران على طبق من فضة. ويتطلب تحقيق تقدم نحو مثل هذه المساومة الكبرى تجاوز تركة ثقيلة من الشكوك والمرارات بين الدولتين، بما في ذلك تآمر وكالة المخابرات المركزية الاميركية لاسقاط حكومة مصدق المنتخبة ديمقراطيا في العام 1953، وازمة الرهائن الاميركيين بعد الثورة الاسلامية في العام 1979.

مرونة بطولية

في هذه الأثناء، قال المرشد الأعلى علي خامنئي لحماة حكمه الديني في الحرس الثوري إن الوقت حان لابداء ما سماه quot;مرونة بطوليةquot; في المعركة الدبلوماسية التي ستبدأ الثلاثاء، مع انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

وتردد أن من الجائز أن يلتقي اوباما وروحاني على هامش الدورة الجديدة. وقال روحاني في حديث لشبكة أن بي سي الاميركية إن لدى إيران ما يكفي من المرونة السياسية لحل المشاكل العالقة مع الولايات المتحدة.

لكن سوريا لن تكون قضية جانبية بسبب التقارب الاميركي ـ الإيراني. ومن المستبعد أن يتخلى نظام الأسد، الذي يخوض باستماتة معركة وجود، عن كامل ترسانته الكيميائية. وقد تجد إيران من الضروري نفض يدها من الأسد في سبيل مصالح استراتيجية أكبر، وربما تتوصل روسيا أيضًا إلى مثل هذه النتيجة.

فالبديل هو بقاء إيران متحالفة مع نظام يرتكب جرائم تقرب من الابادة الجماعية. يضاف إلى ذلك أن هذا النظام يكلف إيران المنهكة اصلا بالعقوبات نحو 9 مليارات دولار من المساعات سنويًا، كما نقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن مسؤول امني عربي لم تذكر اسمه.

زيت على نار

إلى ذلك، تقوض فظائع النظام السوري رواية طهران بأن إيران وحلفاءها، مثل حزب الله، هم السد الوحيد الذي يقف بوجه الجماعات الجهادية والاسلامية المتطرفة لحماية الأقليات، سواء أكانت شيعية او مسيحية.

وسيتعين على اوباما أن يقنع لاعبين كبارا في المنطقة، مثل السعودية وتركيا واسرائيل، بتحركه الرامي إلى التصالح مع دولة غريمة للدول الثلاث. ويحتاج الرئيس الاميركي لكي يترسخ التقارب مع إيران إلى ما يثبت أن قضايا شرق اوسطية ملتهبة في مقدمتها سوربا وبينها لبنان وفلسطين والعراق وافغانستان ستبقى ملتهبة وتزداد التهابًا من دون تهدئة إيران. فالحرب ستصب مزيدًا من الزيت على النار في منطقة تقف على حافة الانفجار، على حد وصف صحيفة فايننشيال تايمز.

وفي نهاية المطاف، سيتوقف الحل على ما إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها سيوافقون على السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم تحت رقابة دولية، وماذا سيفعلون إذا رفضت اسرائيل. وليس لدى أي من هؤلاء شك بأن إيران لاعب يُحسب له حسابه في المنطقة.