يبدو أن عمر البشير لم يتعلم دروس الربيع العربي، فيقف اليوم كما وقف غيره من الحكام الذين أطاحت بهم شعوبهم، رافضًا التراجع عن قرار رفع الدعم عن المحروقات، ما جعل الغضب الشعبي مستمرًا.

لندن:تبدو الأزمة في السودان ماضية على خطى الأزمات العربية، خصوصًا بعدما ظهر أن الرئيس السوداني عمر البشير لم يتعظ من رؤساء عرب أصروا على قراراتهم بوجه الغضب الشعبي. فقد أكدت السلطات السودانية مرارًا تمسكها بقرار زيادة أسعار الوقود، ما قد ينذر بتصعيد جديد. كما أعلنت رفع الأجور، لكن هذا الرفع أتى نافلًا يكاد لا يذكر. فقد أكد أحمد بلال عثمان، وزير الإعلام السوداني، أن الحكومة السودانية لن تتراجع عن قرارها زيادة أسعار الوقود، quot;لأن زيادة الأسعار هي الحل الوحيدquot;، ليكون هذا التصريح الرسمي أول رد فعل حكومي على احتجاجات غير مسبوقة في السودان، منذ تولي البشير السلطة في العام 1989. فهذا القرار ضاعف سعر الوقود تقريبًا، ما يعني ارتفاع كافة المواد الغذائية معه.
الغضب متواصل و700 معتقل في أسبوع
وقالت الحكومة السودانية الاثنين إن 700 شخص اعتقلوا على مدى أسبوع، شهد أسوأ اضطرابات في وسط السودان منذ سنوات، فيما استمرت الاحتجاجات، فخرجت تظاهرات حاشدة من جامعة الأحفاد للطالبات بأم درمان في الخرطوم، فأطلقت سلطات الأمن السودانية الغاز المسيل للدموع داخل حرم الجامعة، كما استخدمته لتفريق احتجاجات نظمها طلاب جامعة السودان بالقرب من السوق الشعبية بالخرطوم. وبحسب سكاي نيوز عربية، جرت تظاهرات في عطبرة، التي تعتبر معقلًا لقوى اليسار والطبقة العمالية، وفيها المقر الرئيسي لسكك حديد السودان، وعرفت بمعارضتها التقليدية للأنظمة العسكرية. وكان الغضب الشعبي تواصل الأحد في الخرطوم وفي مدن أخرى، في ظل حملة اعتقالات واسعة طالت قيادات حزبية معارضة، ودعوة حزب المؤتمر الشعبي المعارض بزعامة حسن الترابي للنزول الى الشوارع. وخرجت تظاهرات ليلية تطالب برحيل البشير في منطقتي الثورة في أمدرمان وبري، التي شيعت السبت جثمان أحد أبنائها، الذي قتل برصاص قوات الأمن السودانية. كما شهدت العاصمة الخرطوم تظاهرات في أحياء الصحافة والديم والسوق الشعبية بالخرطوم ، وخرجت جماهير بورت سودان في مسيرة سلمية إلى سوق المدينة، فأطلقت الشرطة عليها الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين. واعتقلت الأمن السوداني ثلاثة طلاب ينتمون لحزب المؤتمر الشعبي على خلفية تظاهرة خرجت من جامعة السودان - الجناح الجنوبي.
تعتيم إعلامي
وفرضت السلطات السودانية تعتيمًا إعلاميًا على الأحداث الميدانية ومارست سياسة التضييق على الصحافيين لمنع نقل ما يجري على الأرض، فيمااتجه المتظاهرون إلى استخدام هواتفهم الذكية لنشر اخبار بشأن قضيتهم.
وانتشرت الهواتف الذكية وسط التظاهرات اليومية حيث يلتقط المتظاهرون الصور ويسجلون مشاهدات حية لتلك التظاهرات ثم يقومون بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفايسبوك وتويتر واليوتيوب، كما كان الحال في التظاهرات التي اندلعت في العديد من الدول العربية على مدار الأعوام الثلاثة الماضية.

أكثر منعة
هذا ونقلت هيئة الاذاعة البريطانية عن علي عثمان محمد طه، النائب الأول للرئيس السوداني، قوله إن بلاده اجتازت مرحلة الاحتجاجات أكثر قوة ومنعة، مؤكدًا مواصلة الحكومة السودانية في تدابيرها الاقتصادية، وداعيًا إلى عدم الجنوح نحو التخريب خلال الاحتجاجات. كما وعد بتوجيه عوائد زيادة أسعار المحروقات لزيادة الإنتاج والدعم المباشر للفقراء.
أما والي ولاية الخرطوم عبد الرحمن الخضر، فقال إن ولايته وضعت حزمًا اقتصادية متكاملة لمواجهة الآثار السلبية لقرار رفع الدعم عن المحروقات، quot;فحكومة الولاية ستقدم مئة وخمسين جنيهًا شهريًا لنحو خمسة وسبعين ألف أسرة داخل الولايةquot;.
وكان العشرات من القيادات داخل حزب المؤتمر الحاكم في السودان طالبوا البشير باتخاذ آلية لتحقيق وفاق وطني، لحل الأزمة المتفاقمة في البلاد. وطالبته بإلغاء قرار رفع الدعم عن المحروقات الذي فجر موجة الاحتجاجات الحالية. ووجهت قيادات سياسية إسلامية وعسكرية سابقة مذكرة إلى البشير، تطالبه بإجراء تحقيق مستقل في حوادث قتل المتظاهرين ومحاكمة المسؤولين عنها، تفاديًا للفتنة التي ستصيب البلاد. ومن أبرز الموقعين على المذكرة غازي صلاح الدين، القيادي في الحزب الحاكم ومستشار سابق للرئيس السوداني، وحسن عثمان رزق، القيادي بالحزب، والعميد المتقاعد محمد إبراهيم عبد الجليل، قائد المحاولة الانقلابية التي وقعت نهاية العام الماضي ومدير جهاز الاستخبارات السابق.
اتفاق على الإطاحة بالبشير واختلاف على الوسيلة
وأجمعت قوى سودانية عدة على ضرورة الإطاحة بالنظام لكن الاختلاف بينها هو على الوسائل
ويسعى حزب الأمة القومي المعارض بزعامة رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي لأن يكون القائد لحركة الاحتجاج، لا أن يكون ملتحقًا بها، فيما يسعى الحزب الشيوعي لممارسة الدور ذاته خاصة أن التوقعات تشير إلى أنه هو من يقف وراء اشعال الاحتجاجات.
واشنطن تتجنب مناقشة التظاهرات مع الخرطوم
من جهة ثانية، التقى وزير الخارجية الأميركي جون كيري الاثنين نظيره السوداني في لقاء نادر بين البلدين حيث تشهد العلاقات فتورًا، ولكن لم يبحث معه عمليات قمع المظاهرات في السودان، حسب ما اعلنت وزارة الخارجية الأميركية التي نددت الجمعة في بيان بـquot;القمع الوحشيquot; للمتظاهرين المناهضين للحكومة في السودان،حيث لقي عشرات الاشخاص حتفهم.
ولكن خلال لقاء الاثنين بين وزير الخارجية جون كيري ونظيره علي كارتي في مقر الوزارة، فإن الاضطرابات في السودان quot;لم تطرح على طاولة المحادثاتquot;، حسب ما اعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جنيفر بساكي.
وقالت في بيان مقتضب إن الوزيرين quot;تحدثا عن اهمية السلام بين السودان وجنوب السودان وضرورة وضع حد للنزاعات الدائرة في دارفور والنيل الازرق وكوردوفانquot;.
واوضحت بساكي أن الاجتماع الذي عقد بغياب الصحافيين والمصورين بين كيري وكارتي وحيث تشهد العلاقات بين الحكومتين توترًا quot;لم يكن طويلاًquot;.