يتطلع الجزائريون إلى أن تكون 2014 سنة التغيير الذي طال انتظاره، لكن عشية انتخابات الرئاسة المزمعة في نيسان (أبريل) المقبل، يثور الجدل حول فرص تجسيد هذا التغيير.

الجزائر: في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot;، ذهبت كوكبة من المواطنين والمراقبين والناشطين النقابيين والسياسيين الجزائريين إلى أن منعطف التغيير حان، وإمكانية بلورته ممكنة وسط الحراك الحاصل، بينما تجزم جهات أخرى بأنّ التغيير مستبعد بفعل هزال الأحزاب، ولا مبالاة الجماهير واستئساد السلطة.
تشاؤم جزائري
على مستوى الشارع والرجل العام، يُظهر فريق من المواطنين تشاؤمًا من أي تحول قريب، ولا يتوقعون حدوث أي اختراق جديد في العمل السياسي في الجزائر قبل 2020. وتذهب نخب إلى أن التغيير الملموس المتوقع سيكون بعد ذلك، اعتبارًا من 2030، والسبب أنه في هذه السنة سيكون الجيل الثاني ما بعد الاستقلال وجد الطريق فسيحًا نسبيًا أمامه ليحدث التحول المرجو. فجيل الثورة الأول انتهى في 1990، والجيل الثاني سينقرض في 2030، فيما كان الجيل الأول للاستقلال قد شاخ خارج الحكم سنة 1990، بقي أن يكون بإمكان الجيل الثاني لما بعد الاستقلال أن يحدث التغيير المرجو بداية من 2020، أي بعد قرنين من الاحتلال الفرنسي ونحو قرن من الحركة الوطنية من أجل الاستقلال، طالما أن سنة 1930 كانت المنطلق الوطني كردة فعل على احتفال فرنسا بالذكرى المئوية للاحتلال البغيض.
تربح الخسارة!
على مستوى السياسيين، لا يزال البعض منهم يحلم بالتغيير. ويعتقد مراقبون أن التغيير في ظل الرئاسة والسياسة المغلقة لن يكون، لأنّ التزوير قائم وطال بحسبهم حتى أول ولاية رئاسية، بعد أن انسحب ستة مرشحين احتجاجًا على تصويت الجيش والأمن لصالح المرشح بوتفليقة، ما جعلهم يرون النتيجة واضحة! فإذا كانت هذه الانتخابات وقد مسها الوباء، وكره رجل الشارع، الساكت دومًا عن الإدلاء بصوته، لأنه يعرف أن صوته لن يصل مهما ارتفع، أن يلعب دور الكومبارس في تمثيلية ومسرحية هزلية بطلها معروف من البداية ومن النهاية، فالغالبية الصامتة تفضل التغريد خارج القفص السياسي الموبوء، ولا تريد أن تراهن على حصان quot;خاسر لو كان رابحًاquot;.
هذه قاعدة عمل القاعدة العامة! quot;لا نريد أن تربح الخسارةquot;. فقد سبق لها وأن جربت أن اختيارهم الذي لا يرضي نظام الحكم، لا يمر. والجزائر تمر في منطق تاريخي شبيه بما بعد الحرب العالمية الثانية، وما بعد دستور 47 الفرنسي. فالانتخابات صارت من دون معنى، والسياسة صارت تعني الكذب.
طفرة المجتمع المدني
يبدي الناشط هيثم رباني قناعة بأن 2014 ستكون سنة التغيير في الجزائر، إذا ما أصر المجتمع المدني خاصة رجال الإعلام على دعم المرشح المحتمل علي بن فليس، وتبيان ما سماه كوارث الوزير الأول الحالي عبد المالك سلال. وهذا الأخير يُتداول اسمه في الكواليس كمرشح للعصبة الحاكمة، ويرى رباني أنّه إذا ما صعد سلال فــquot;قل السلام على التغيير في الجزائر الذي قد يتأخر لعشر سنوات أخرىquot;.
ويركّز رباني على أن فرص إحداث تغيير في نظام الحكم بالجزائر كبيرة جدًا مع شخصية مثل بن فليس، فيقول رباني: quot;أفضل برنامج منذ استقلال البلاد، برنامج تربوي لم تعرف له الجزائر مثيلًا، بالإضافة إلى قناعاته عن حرية القضاء والإعلام والعمل السياسيquot;.
من جهته، يتفاءل الوجه النقابي البارز رشيد معلاوي بقرب إنضاج التغيير في الجزائر، لا سيما وأنّ 2014 ستشهد على الأرجح مغادرة 3 رموز لمنظومة الحكم. ويتعلق الأمر بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الجنرال محمد مدين المدعو توفيق قائد جهاز الاستخبارات، وقايد صالح، قائد أركان الجيش والوزير المنتدب للدفاع.
على النقيض، يستبعد المعارض عمر سعادة اقتران العام الحالي بتغيير في الجزائر، ويتكئ على كون الشعب الجزائري ليس جاهزًا كفاية لممارسة التغيير المأمول، ما يجعل الاعتقاد إياه مبكّرًا جدًا، لا سيما مع استمرار آثار العشرية السوداء، فضلًا عن تداعيات التضييق الرسمي المفروض وكذا تعملق الفقر.
بيئة غير ملائمة
بين هذا وذاك، يرى الدكتور فوزي أوصديق، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن التغيير ليس علبة سحرية أو مسحوقاً معلّباً أو وصفة، quot;بقدر ما هو حركية متجددة ومتحركة، تتداخل فيها عديد العوامل والزعامات الكرنفالية والأحزاب الكارتونية تلاميذ سيئين لإحداث التغيير، كما أن البيئة الحاضنة غير ملائمة وغير مستعدة لاحداث هذه النقلة النوعيةquot;.
ويسجّل أوصديق أن الأزمات التي يعيشها الشعب الجزائري عوامل محبطة لإحداث التغيير، في ظل التوظيف الجيد لها في سعي الى عدم الاستقرار وخطوة نحو المجهول. هذه العوامل وغيرها غير مشجعة للتغيير المرجو رغم تفاقم الأزمة المعيشية.
ويستدل الأكاديمي الجزائري بأن انتخابات الرئاسة، وما يشوبها من تردد الطبقة السياسية وضعف الخطاب وعدم وجود بديل قوي، تجعل الشعب يفضل السيئ على الأسوأ، متصورًا أن التحليلات الملهبة للوضع quot;غير دقيقةquot; بحسب قناعته، ذاهبًا إلى أن البديل السلمي ما زال قائمًا بشرط توافر الارادة الحقة والصادقة.
غالبية صامتة
يشير الناقد السوسيولوجي الدكتور عمار يزلي إلى أن بلاده تعيش وضعًا سياسيًا مغلقًا ومعلّبًا منذ أكثر من عشر سنوات، في ظل المناخ الذي أوجدته آخر انتخابات رئاسية كرست الواحدية في التعددية، وفي ظل غلق مزاليج أي منحى تحولي ديمقراطي على مستوى مؤسسة الرئاسة، quot;لأننا ما زلنا مجتمعًا رئاسيًا، أي نؤمن بأنّ الرئيس هو كل شيء، وهو الكل في الكل، وهذا بسبب طبيعة التكوين السياسي للجزائر منذ الاستقلالquot;.
يضيف يزلي: quot;حاول بوتفليقة تكريس الواقع بعد أن كاد هذا المكسب الثوري الديمقراطي الشعبي أن يفلت من بين أيدي صانعي القرار، غداة التغيير الدستوري الذي أحدثته الانتفاضة الشعبية في تشرين الأول (أكتوبر) 1988، فقد بات واضحاً أن الرئيس يريد بلدًا وليس شعبًا، وعبّر عن ذلك قبل ولايته الأولى وأثناءها وبعدها، بأنه يريد أن يكون رئيسًا كاملاً لا ثلاثة أرباع الرئيسquot;.
يتابع: quot;لهذا تحول رئيس الحكومة إلى وزير أول، كما أنه هو وزير الدفاع ويسيّر أمور الدفاع من خلال مستشار للدفاع، يعمل الآن مع تدهور صحته أن يبقى رئيسًا كاملًا بكل الصلاحيات، لكن مع إنابة من ينيب عنهquot;.

غير مهتم
أمام هكذا أوضاع سياسية، صار الشعب بعيدًا عن السياسة والسياسيين، ليس لأنه غير مهتم بها، بل لأنه فهم أن اللعب مغلق، وأنّ اللعبة بين يدي كبار صناع السياسة والرئاسة.
يقول يزلي: quot;لهذا، ترى الشعب في معظمه قد اتجه نحو حل مشاكله بطريقة منفردة، في ظل البحبوحة المالية التي تنهب من كل صوب وحدب، ولا يجد بسطاء ومتوسطو الدخل غير الخوض في جمع الغنائم قبل فوات الأوان، أو حل مشاكلهم عن طريق التفرد بالحل الفردي أو الفئوي من بزنس ورشوة وقطع طرقات وإضرابات محدودة وقطاعية وحرق الأجساد أو التهديد بفعلها..إلخ من ردود الفعل اليائسة من السياسة والرئاسة.
الشعب ترك الحبل على الغارب للسياسيين المحترفين، أي أولئك الذين يقتاتون على الفعل السياسي الذي يفيد الفعل الاتجاري، وراح يتاجر بطريقته الخاصة!
التحرّك إلا بمقابل
يرى يزلي أنّه في جزائر 2014، كل شيء متوقف لا يتحرك إلا بمقابل! لا يمكن أن تجد مؤسسة غير موبوءة، ورجل الشارع لا يرى في أي سياسي في ظل الحكم حاليًا، مشروع حل أو حتى بصيص أمل، بل يرى في العمل السياسي وفي الرجل السياسي الحالي، المصلحي، الانتهازي والوصولي، خاصة وأنه يرى كيف أن quot;ممثلي الشعبquot; هم أبعد ما يكونون عن شعب لم ينتخب أحداً منهم ولم يوكل أحداً منهم أن يمثله. فالبرلماني صار بالنسبة لهم سمساراً وتاجراً سياسياً يصوت ويحضر أو يغيب ويفعل أو لا يفعل حفاظاً على ماهيته الشهرية المتزايدة، والتي يقول أصحابها عنها quot;هل من مزيدquot;، هذا دون ذكر الامتيازات!
الوضع لا يسمح بالتحوّل
يوقن يزلي بأنّه سواء جرى تسخين الدف من خلال الوسائط المتعددة ومواقع التواصل الاجتماعي أو لم يسخن، فإن النتائج ستكون نفسها، quot;والجديد النسبي سيكون فقط يوم أن يترك بوتفليقة الرئاسة طواعية، ولا يترشح، ولا يرشح فيها أحدًا من الحكومة، لا سلال ولا علال، ويترك الشعب الجزائري لفترة لا تقل عن 5 سنوات يفكر في مستقبله، أي يترك العمل مفتوحًا للعمل السياسي الحزبي الجاد والحر، وللعمل الجمعوي وللشارع وللمسجد، بعيدًا عن إدارة السياسة من المكاتب الإدارية وغير الإدارية، من أمنية ومخابراتية ومخابر سياسية ضيقة.
الوضع السياسي في الجزائر الآن لا يسمح بإحداث هذا التحول، لأنه يعمل على تكريس السيطرة على وضع متردٍ لا يراد له أن يتحول إلى ما هو أفيد، لأن المفيد عند أهل السلطة غير مفيد. فهم فهموا رسالة الناس بعد الذي حدث في خريف العام 1988، وفهموا أن ترك الفرصة مفتوحة للشعب يحدث تغييرًا في البلاد، نحو الأسوأ بالنسبة إليهم.