العلاقات الأردنية الإيرانية محفوفة بالتنافر والشك، لكن قنوات التواصل مفتوحة. ومن هنا تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف إلى عمّان، حاملًا ملفًا مختلفًا يتناول وساطة أردنية بين طهران والرياض.


منذ خسر التيار الإصلاحي منصب الرئاسة في إيران في العام 2005، لم تشهد طهران زيارة أي مسؤول أردني رفيع، إذ كان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني زار طهران في العام 2003 ملتقيًا الرئيس وقتذاك محمد خاتمي، قبل أن تقوم عقيلته الملكة رانيا العبدالله بزيارة إنسانية لإيران، حاملة المساعدات لإغاثة ضحايا الزلزال الشهير الذي ضرب مدينة بم الإيرانية في العام 2004.

حدث بارز

منذ ذلك الحين، بقيت العلاقات بين عمّان وطهران من دون هزات إرتدادية تعيد الدفء السياسي، حتى أن التمثيل الدبلوماسي لكلا البلدين في عاصمة الآخر ظل غائمًا، في ظل برودة إستثنائية ظلت إيران تقطعها على وقع زيارات مسؤولين إيرانيين إلى عمّان.

وبعد أربعة أشهر من زيارة مفاجئة قام بها وزير الخارجية الإيراني السابق علي صالحي، مسؤول البرنامج النووي الإيراني حاليا، إلى عمّان، تأتي زيارة خلفه محمد جواد ظريف التي لم يحتمل أن تتم قبل الخميس المقبل، لتشكل حدثًا سياسيًا بارزًا، بحسب أستاذ العلوم السياسية الدكتور مازن القرعان، الذي يؤكد لـquot;إيلافquot; أن زيارة ظريف لبلد يعتبر في صلب فريق الخصومة السياسية التقليدية لبلاده حدث بارز يستدعي التوقف أمامه.

عصا وجزرة صالحي

ويشير القرعان إلى أن ظريف من غير الممكن أن يأتي إلى عمّان لتجديد نهج العصا والجزرة الذي جاء به سلفه في آب (أغسطس) الماضي، حينما رغّب الأردنيين بعروض إقتصادية إيرانية يسيل لها لعاب الخزينة الأردنية الفارغة، ورهّبهم لاحقًا بعصا الصواريخ السورية التي يمكن أن يطلقها نظام الرئيس السوري بشار الأسد على مدن وبنى تحتية أردنية، إذا ساهم الأردن بأي شكل من الأشكال في تسهيل ضربة عسكرية دولية عبر حدوده مع سوريا وقتذاك، خصوصًا أن الأردن وقتذاك كان إستعان ببطاريات صواريخ باتريوت لحماية أجوائه من أي أخطار قد تتسبب بها حرب دولية على سوريا.

وساطة مع السعودية؟

يقول القرعان: quot;الأكيد أن ظريف آت إلى عمّان بعرض جديد، فمسار الأحداث تغير، وطبول الحرب لم تعد تقرع، وبالتالي لا خوف من الحدود الأردنية السورية، والمنطقة ذاهبة إلى الصفقات والتسويات، وهو ما يدفع إلى الإعتقاد بأن ظريف ربما يحمل عرضًا سياسيًا جديدًاquot;.

يرجح القرعان أن تكون طهران تريد من عمّان لعب دور سياسي مباشر من وراء الكواليس لتسهيل لقاء سعودي إيراني مباشر. فعمّان برأي القرعان هي الطرف الإقليمي المؤهل والقادر على لعب دور وساطة من هذا النوع، لترطيب وتليين التشدد الذي بلغ مداه مؤخرًا بين الرياض وطهران.

عروض صالحي مجددا؟

من جهته، يقول الناشط السياسي الأردني سامر الزيدان إنه لا يستبعد أن يأتي ظريف إلى عمّان مجددًا حاملًا منطق العصا والجزرة ذاته الذي جاء به سلفه قبل أشهر، كأن تلعب عمّان دورًا عسكريًا وإستخباريًا وأمنيًا لضبط الحدود البرية الطويلة بين البلدين (377 كيلومترًا)، وهي حدود إشتكى منها نظام الأسد مرارا. وربما تريد طهران أن تضبط عمّان حدودها بفاعلية قصوى لوقف تهريب الأسلحة والمقاتلين إلى عمق المعركة في سوريا، مقابل أن تتطوع طهران لتقديم سلة عروض إقتصادية متنوعة للأردنيين.

ويقول الزيدان إن لديه معلومات بأن تزويد حكومة نوري المالكي العراقية المقربة من إيران النفط للأردن، إضافة إلى مشاريع نفطية عملاقة بين عمّان وبغداد قريبًا، لم تتم بلا ضوء أخضر إيراني، quot;فإن العرض الإيراني السابق يتضمن فتح السوق الإيرانية أمام منتجات المصانع الأردنية، على أن تسمح عمّان أيضا بفتح الباب أمام ملايين الحجاج الإيرانيين الشيعة لزيارة بعض الأماكن الدينية في مناطق أردنية، وهو عرض يجابهه فيتو أجهزة الأمن الأردنية، علمًا أن السياحة الدينية من طهران إلى عمّان تنعش السياحة الأردنية طيلة أشهر العام، وترفد الخزينة بمبالغ مالية طائلةquot;.

سلة خيارات جديدة

قال الناشط السياسي الأردني علي الداوود إن بلاده ينبغي أن تُنوع في خياراتها السياسية، متسائلًا عن المشكلة في أن يحتفظ الأردن بعلاقات إقتصادية ممتازة مع الحليف التقليدي المتمثل في أميركا ودول مجلس التعاون الخليجي، وأن يحتفظ أيضًا بعلاقات مماثلة مع إيران التي تبرم حاليًا صفقات سياسية من فوق وتحت الطاولة مع أميركا.

ويشير الداوود إلى أن المرحلة المقبلة سياسيًا هي مرحلة تسويات وصفقات، بعضها سيكون سريعًا ومفاجئًا، وعلى الأردن أن يغادر حالة التيبس السياسي مع حلفاء تقليديين في منطقة الشرق الأوسط، داعيًا إلى فتح كل الملفات السياسية مع الوزير الإيراني، وأن يدخل في عمق لعبة الأمم، ويبادر إلى منطق الصفقات والتسويات بقلب قوي.