أكد الأب الهولندي فرانس فان دي لاغوتا أن المواطنين السوريين المحاصرين في حمص منذ أكثر من عام، يعانون اليوم اضطرابات عقلية نتيجة الجوع، مناشدًا العالم بتقديم المساعدة لحمص المحاصرة.

قال الأب الهولندي فرانس فان دي لاغوتا (75 عامًا) إن مدينة حمص السورية تعاني حصارًا خانقًا، وإنه يشارك الناس معاناتهم لأنه معهم في السّراء والضراء، مشيرًا إلى أن الوضع بات سيئًا لدرجة أنه يحاول تهدئة الناس، حتى لا ينقضوا على بعضهم البعض بسبب الجوع والأمراض العقلية.

في مقابلة مع صحيفة تليغراف، قال دي لاغوتا: quot;ليس لدينا طعام منذ عامين، ولا يسمح لنا بالدخول أو الخروج من حمصquot;، مشيرًا إلى أن الناس تشعر باليأس لا سيما بعد الجهود التي بذلت لتأمين المساعدات الانسانية خلال مؤتمر جنيف-2.

وقال الأب الهولندي الذي يعيش في حمص منذ 1966 إن الطعام نفد والناس يفقدون عقولهم من الجوع، ويصابون بنوبات عصبية، مضيفًا أن البلدة القديمة في حمص كانت تحضن نحو 60 ألف مسيحي، quot;إلا أنني اليوم أعيش فيها مع 66 شخصًا فقطquot;.

quot;أصبحت مدينتنا غابة بلا قانون، فنحن نبذل قصارى جهدنا لنتصرف بطريقة أخوية ومنطقية، حتى لا ننقض على بعضنا البعض بسبب الجوعquot;، كما قال الأب فرانس، مشيرًا إلى أن الرضع هم أكثر المتضررين لأن الأمهات لا يستطعن إطعام أطفالهن أو إرضاعهن لأن أجسادهن ضعيفة جدًا من الجوع، quot;فنحن نبحث في كل مكان عن الحليب، وعندما نجده نقوم بمزجه مع الماءquot;.

ضحايا يوميًا

قبل بضع سنوات، بدت المجاعة احتمالًا مستحيلًا بالنسبة إلى سكان حمص، هذه المدينة التجارية المزدهرة، المشهورة بطعامها الشهي وحب سكانها للحياة وروح الفكاهة. وفي كثير من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، لا تزال الحياة اليومية تسير بشكل طبيعي تقريبًا.

ومع ذلك، على بعد بضع مئات من الأمتار عن هذه المناطق، أي في أحياء المدينة القديمة، تمنع دبابات الجيش السوري ومواقع القناصة خروج أي شخص حيث بدأ الجوع يسجل ضحاياه على أساس يومي.

في شريط فيديو جديد نشر عبر يوتيوب، يظهر اثنان من الصبية في مدينة حمص، وجهاهما غائران من الهزال، وتبدو الحلقات السوداء تحت أعينهم بسبب سوء التغذية، وتحدثا عن معاناتهما من الجوع واضطرارهما للعيش على بعض حبيبات الزيتون على مدى الأسابيع القليلة الماضية.

قال أحدهما: quot;ليس لدينا سوى الزيتون في المنزل، ولم نتناول شيئًا غيره منذ فترة طويلةquot;، فيما ظهرت في خلفية الكاميرا المباني المحترقة والمهدمة وسُمع أزيز الرصاص وضرب المدفعية بشكل مستمر.

وقال الاب فرانس، وهو أيضًا طبيب نفساني مدرب، إن الناس تعاني الضغط الشديد بسبب الحرب، مشيرًا إلى أن الجوع يحول الناس إلى مجانين، quot;فبعض الناس يعانون الآنأمراضا عقلية كالعصاب ونوبات الهلع والنوبات الذهانية وانفصام الشخصية وجنون العظمةquot;.

تأمين الفتات

وأضاف: quot;أنا أحاول أن اساعد المرضى، ليس عن طريق تحليل مشاكلهم، فالمشاكل واضحة وليس هناك حل، لكني أستمع لهم وأحاول تأمين بعض الفتات من الغذاء بقدر ما أستطيعquot;.

يحاول الأب فرانس توفير ملجأ آمن لهؤلاء الناس الذين فقدوا عقولهم ويحتاجون إلى عزلهم عن الآخرين، لأنهم لا يستطيعون التعايش معهم، لا سيما الضعفاء والمعوقين والأطفال وكبار السن الذين هم أكثر المتأثرين بالوضع الصعب.

وبعد زيارة قام بها لمركز للمعاقين، قال الأب فرانس: quot;لمدة ثلاثة أيام، لم يكن لدى هؤلاء ما يقتاتون به سوى القليل من الزيتون، ونحن نبذل قصارى جهدنا للمساعدة، لكن هناك القليل الذي يمكن القيام به هذا الصباحquot;.

وعلى الرغم من أن الأب الهولندي ليس مضطرًا بنظر الكثيرين إلى البقاء في المدينة، إلا أنه يعتبر من واجبه مشاركة سكان حمص آلامهم. يقول: quot;تعلمت الكرم من الشعب السوري، وإذا كان هؤلاء الناس يعانون الآن، فأنا أريد أن أكون معهم وبجانبهم تمامًا كما كنت معهم في الأحوال الجيدة، فأنا أشاركهم السراء والضراء وأنا معهم في آلامهمquot;.

لن يفكر مرتين

وقال نشطاء محليون إن الحكومة قد تسمح للمسيحيين بمغادرة البلدة القديمة، لكن ذلك يتطلب عبور العديد من الخطوط الأمامية النشطة التي تحيط بالحي. ويخشى الثوار أنه في حال خروج المسيحيين المتبقين من المدينة، فإن النظام لن يفكر مرتين قبل تدمير أحياء البلدة القديمة على رؤوس قاطنيها الذين يبلغ عددهم نحو 1500.

يقول الأب فرانس إن العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في المدينة جيدة، وإن هناك روابط قوية بينهم. قال الأب: quot;هناك مؤسسة خيرية إسلامية تعطينا 4 كيلوغرامات من الطحين كل أسبوع، ونحن نستخدمه لمساعدة 30 من الحالات الأكثر احتياجًا كالجرحى والمعاقين، سواء أكانوا مسيحيين أو مسلمينquot;، مضيفًا: quot;نعطي البعض نصف رغيف ليأكلوه مع أي شيء يستطيعون الحصول عليه كالزيتون أو الزعتر للبقاء على قيد الحياةquot;.

في النهاية، حاول الأب مناشدة العالم والمجتمع الدولي، معبرًا عن خوفه من أن يكون العالم قد تخلى عنا مقابل البحث عن مصالحه السياسية. وقال: quot;إذا كانت القوى العظمى تحترم حقوق الإنسان، فعليها أيضًا أن تحترم الناس هنا في سوريا كما تحترمهم في أوروبا. نحن بشر ويحق لنا أن نكون مثلهمquot;.