كثرة المحن وخيبات الأمل (القومية والوطنية) الكبيرة التي أصيب بها الآشوريون في تركيا وسوريا والعراق وفي بقية دولة المنطقة طيلة القرن الماضي والتي قوضت وجدهم،وما حل بهم منذ الغزو الأمريكي للعراق 2003،حيث كاد وجدهم أن يصبح في خبر كان نتيجة وقعهم ضحية الأجندات السياسية والمشاريع الطائفية لمختلف القوى والميليشيات العراقية(العربية والكردية والاسلامية)،ولأنهم(الآشوريون) غير قادرين على مواجهة التحديات (السياسية والأمنية)التي بدأت تواجههم من جديد بغياب quot;رؤية قوميةquot;مستقبلية محددة وواضحة، دخلوا في فوضى سياسية وقومية تبدو quot;قاتلة وكارثيةquot; بنتائجها ومضاعفاتها الى درجة يصفها البعض بـquot;انتحار قوميquot;للشعب الآشوري،تمارس بطرق وأشكال مختلفة، منها:
- تفجيرquot;القومية الآشوريةquot; من الداخل وبأيادي آشورية، وذلك من خلال quot;قومنة الطوائفquot;،أي جعل من كل طائفة كنسية (الآشورية،السريانية،الكلدانية) قومية بذاتها ومنفصلة عن بعضها البعض وقطع الرابطة القومية بينها وبتر كل أواصر التاريخ المشترك والهوية الواحدة.طبعاً،هذه ليست مسؤولية المؤسسات الكنسية وحدها، وانما أيضاً هي مسؤولية الأحزاب الآشورية السريانية الكلدانية بمختلف تسمياتها واتجاهاتها السياسية. فجميع هذه الأحزاب أخفقت في نقل الشعب الآشوري من حالة الوجود القومي الطبيعي الى الوجود القومي الارادي الفاعل.فهي(الأحزاب الآشورية) خرجت من رحم الطوائف الموجودة في المجتمع الآشوري المسيحي، وبقيت مجرد ظاهرة quot;سيسيولوجيةquot;يختلط فيها الاجتماعي بالسياسي بالديني بالثقافي، حيث تتجذر quot;النزعة الطائفيةquot; في بنيتها الفكرية والتنظيمية،ومازالت تشكل الطوائف والكنائس الحاضنة الاجتماعية والثقافية لها.

- هجرة الآشوريين(سريان/كلدان) من مناطقهم التاريخية وتركهم لأوطانهم الأم وذوبانهم في مجتمعات الغرب.
-عزوف غالبية من تبقى من الآشوريين عن العمل السياسي والقومي واستسلامهم للاحباط واليأس ورضوخهم لسياسات الأنظمة القائمة المعادية للديمقراطية وتمارس عليهم مختلف أشكال الاستبداد القومي بهدف طمس هويتهم ومحو ثقافتهم الخاصة.

-انخراط أحزاب ومنظمات (آشورية، سريانية،كلدانية) في أجندات ومشاريع سياسية لقوى محلية واقليمية (عربية،كردية،تركية)عملت وتعمل على تصفية القضية الآشورية. المثير على هذا الصعيد، وقوع الكثير من الأحزاب الآشورية في فخ quot;الحكم الذاتيquot; الذي نصبته الحكومة الكردية في الشمال العراقي، التي يهيمن عليها حزب quot;الاتحاد الديمقراطي الكردستانيquot; بقيادة مسعود البرزاني رئيس الاقليم الكردي، quot;طعماًquot; لاستقطاب الآشوريين والمسيحيين العراقيين لصالح أجندتها القومية ومشاريعها الاستراتيجية في العراق. وقد نجحت الحكومة الكردية في استغلال الظروف الانسانية الصعبة للآشوريين وحققت ما أرادته باختراقها الساحة الآشورية داخل وخارج العراق واستطاعت اشراك العديد من الأحزاب الآشورية في المشاريع والخطط القديمة الجديدة لتصفية القضية الآشورية.

لا شك،أن العمليات الارهابية التي تقوم بها الجماعات والمنظمات الاسلامية والقومية المتطرفة ضد الآشوريين والمسيحيين قوضت الوجود الآشوري والمسيحي على الأرض العراقية،لكن الخطط والمشاريع الاستراتيجية لحكومة البرزاني ستقضي أو هي كادت أن تقضي على البعد القومي والسياسي للقضية الآشورية لتبقى مجرد quot;قضية انسانيةquot; لأقلية مسيحية مستضعفة. وقد أخذت حكومة البرزاني من المجلس الشعبي(الكلداني السرياني الآشوري) الذي صنعته وترعاه ركيزة اساسية في مشروعها التصفوي للقضية الآشورية في العراق وتحويل الآشوريين(كلدان/سريان) الى مجرد quot;أقلية مسيحية كردستانيةquot;،بعد أن كانوا في ظل الحكم البعثي العربي الشوفيني السابق مجرد quot;أقلية مسيحية عربيةquot;. في هذا السياق، أشار العديد من الكتاب والمتابعين العراقيين لأعمال المؤتمر الثاني للمجلس الشعبي الذي انعقد في اربيل يومي الثالث والرابع من كانون الأول الماضي، أشاروا الى أن عدداَ كبيراً من المشاركين في المؤتمر ومن الذين فازوا في انتخاب الهيئات القيادية الجديدة للمجلس هم أعضاء في الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وفي اطار quot;تكريدquot; المناطق التاريخية للآشوريين،هناك نقطة بالغة الأهمية،ربما قلة هم الذين تنبهوا لها، وهي خلو جميع وثائق المؤتمر الشعبي من مصطلح quot;بيث نهرينquot; بينما يرد عشرات المرات مصطلح quot;كردستانquot;،وهذا مؤشر واضح على أن المجلس ومن خلفه الحكومة الكردية شطبا من قاموسيهما السياسي والتاريخي مصطلح quot;بيث نهرينquot;الموطن التاريخي للآشوريين،ليحل مكانه مصطلحquot;كردستانquot;.

لا جدال على أنquot;الحكم الذاتيquot; يعتبر مسألة حيوية و مصيرية للشعب الآشوري و يمس مستقبل القضية الآشورية ليس في العراق فحسب،وانما في سوريا وعموم المنطقة أيضاً.لكن أن يأتي ويطرح هكذا خيار مصيري وكأنه لغزاً ملغوماً،من طرف غير آشوري وفي اطار أجندة غير آشورية ومن غير أن تحدد آليات التنفيذ والسقف الزمني لذلك والمنطقة التي ستخضع لسلطة الحكم الذاتي الآشوري، من حق الآشوريين أن يتخوفوا ويقلقوا من النوايا والأهداف الحقيقية لـquot;حكومة البرزانيquot;، التي تسعى الى ضم quot;سهل نينوىquot; ومناطق أشورية أخرى الى الاقليم الكردي. قد تبرر الأحزاب الآشورية العراقية لنفسها عزفها على quot;الوتر الكرديquot; بعدم وجود خيارات أخرى أفضل تراهن عليها في ضمان حقوق الآشوريين العراقيين.لكن ما هو غير مبرر وغير مفهوم هنا هو تهافت quot;المنظمة الآثورية الديمقراطيةquot;من خارج العراق على كسب ود ورضى الحكومة الكردية في الشمال العراقي واشادتها المستمرة بسياساتها وديمقراطيتها وتأييدها للمجلس الشعبي (الكلداني السرياني الآشوري)،عراب السياسات الكردية في الأوساط الآشورية. لقد أوهم وفد المنظمة الآثورية نفسه ورفاقه بأن حضوره quot;المؤتمر الثانيquot; للمجلس الشعبي، الذي انعقد في اربيل في بدايات كانون الأول الماضي،عزز وحدة الصف الآشوري و أعطى زخماُ مهماً للقضية الآشورية في العراق.لا بل أنهم اعتبروا حضورهم هذه المسرحية الهزيلة للمجلس الشعبي انجازاً سياسياً وقومياً حققته المنظمة الآثورية، بعد الازمات التنظيمية التي عصفت بها.حقيقة،اذا كان من انجاز حققه القائمون اليوم على المنظمة الآثورية من جولاتهم المثيرة للشمال العراقي،هو ادخالهم اقليم quot;شمال العراقquot; للمرة الأولى الى أدبيات المنظمة على أنه quot;كردستان العراقquot;.ففي كلمة وفد المنظمة الآثورية، في جلسة افتتاح المؤتمر الثاني للمجلس الشعبي والتي القاها رئيس اللجنة المركزية للمنظمة، لم يرد فيها مصطلح quot;بيث نهرينquot; بينما ورد مرات عدة مصطلح quot;كردستان العراقquot;الذي مازال في الدستور القومي للمنظمة الآثورية وفي جميع وثائقها وأدبياتها الحزبية،كذلك في الوعي التاريخي للآشوريين، جزء من أرضquot; بلاد آشور أو بلاد ما بين النهرينquot; الموطن التاريخي للآشوريينquot;. كنوع من التنبيه أو التحذير من مضاعفات هذا quot;الانقلاب الآثوريquot; على المبادئ والثوابت القومية،الذي تضعه بعض النخب الآشورية في اطار عملية quot;الانتحار القوميquot;للآشوريين، أصدرت مؤخراً مجموعة من المثقفين الآشوريين السوريين، بينهم أعضاء سابقين في المنظمة quot;منشوراً سياسياًquot; مكون من ثلاثين صفحة،بعنوانquot;المنظمة الآثورية الديمقراطية وخطرها الكبير على القضية الآشوريةquot;. أن يصبح أقدم فصائل الحركة الآشورية السوريةquot;خطراً كبيراً على القضية الآشوريةquot;، بنظر أوساط آشورية،يعد تحولاً خطيراً في مسار الحركة الآشورية السورية، ورسالة قومية قوية ومهمة على المعنيين التوقف عندها وقراءتها بدقة.

سوريا
مهتم بقضايا الاقليات
[email protected]