قيل الكثير عن رسالة هنري كيسنجر المزعومة التي بنى عليها امين عام حزب الله بعض مواقفه الحادة. وثمة الكثير قد يقال بعد، لكنني في هذه العجالة سألتزم ما قاله الصحافي الكبير الاستاذ جهاد الخازن معلقاً على النقطة نفسها: quot;لكل جواد كبوةquot;. لأن المسألة ليست سباقاً في تبيان حسن نيات أميركا ووزراء خارجيتها، ولا أظن انه من الحصافة بمقام أن ينحاز المرء إلى أميركا في مواجهة السيد حسن نصرالله. خصوصاً إذا كان هذا المرء ينتمي إلى البلد نفسه الذي ينتمي إليه السيد الأمين العام، وإذا كان ممن اختبروا العصف الإسرائيلي في الحروب المتوالية على لبنان. فبصرف النظر عن اي خلاف سياسي وعقائدي، في المسالك والمبادئ على حد سواء، إلا أن الذي كان يزرع الموت والدمار في تلك الحروب لم يكن حزب الله ولا المقاومة الفلسطينية من قبل، بل العدو الإسرائيلي.
إنما ورغم هذا كله، لا بد من تسجيل ملاحظة أفدح من خبر الرسالة المزعومة، في خطاب الأمين العام إياه. حيث سرد في خطابه أخباراً ترقى بالنسبة إليه إلى مرتبة الوقائع. وعليها ايضاً بنى مواقف ولجأ إلى تخوين قادة وزعماء ورؤساء، ناهيك بمن يخونهم بكرة وعشية من اللبنانيين. في الخطاب إياه، يقول السيد نصرالله، ان وزير دولة معينة ابلغه كذا وكيت، وان سفير دولة أخرى اسر إليه او إلى أحد قادة حزب الله بهذا وذاك من الأخبار التي تدين رئيس حكومة لبنان السابق فؤاد السنيورة، وأنه بناء على معلوماته تلك يجزم ان الرئيس السنيورة حرص على ربط وقف النار، او الأعمال الحربية، بحسب منطوق القرار 1701، الصادر عن مجلس الأمن الدولي، بنزع سلاح المقاومة. على أي حال، أصدر الرئيس السنيورة بياناً اتهم فيه السيد نصرالله بمجانبة الدقة وخيانة الصواب في هذه الواقعة. وهذا له شأن آخر، خصوصاً ان اللبنانيين ما زالوا يذكرون ان موافقة حزب الله على قرار وقف الأعمال الحربية تمت على الهواء مباشرة، وعلى لسان الأمين العام نفسه.
ولنضرب صفحاً عن هذه الوقائع ونفترض ان هذا الاتفاق إنما تم بين الحكومة اللبنانية يومذاك وإسرائيل عبر المجتمع الدولي، ولم يكن لحزب الله يد فيه، لا موافقة ولا اعتراضاً. وأن الحكومة فاوضت في غياب حزب الله وعلى غير رغبة منه. لكن هذا الصفح لا يعفينا من الانتباه إلى ان حزب الله وأمينه العام، إنما يعتمد على مخبرين من طراز رفيع، بمرتبة سفراء ووزراء، في تقرير سياسته. فبحسب منطوق الخطاب نفسه، لم يكن الحزب مطلعاً على ما يجري بشكل مباشر، وكانت تصله اصداء ما يحصل من سفراء ووزراء دول اجنبية وعربية، وبناء على هذه الأصداء يتخذ مواقفه. ألا يثير هذا التصريح الخطير حفيظة أحد؟
كيف يعقل ان يبني حزب الله مواقفه واعتراضه على شركائه اللبنانيين بناء على تسريبات وزارية ودبلوماسية؟ وهذه الاعتراضات والمواقف تكلف اللبنانيين، غالباً، دماً وارزاقاً. ثم أليس هذا هو جوهر اعتراضه على خصومه من اللبنانيين؟ حين يعتبر انه يديرون اذناً صاغية للخارج، ولا يحاورون الشركاء في الوطن والمواطنية ويتفهمون مواقفهم ومنطلقاتهم؟ وإذا كان مثل هذا السلوك عند الخصم سبباً لأن يقيم حزب الله الدنيا ولا يقعدها، فكيف يسلك هو نفسه هذه المسالك ويعتبر تسريبات الوزراء والسفراء مما لا يرقى إليه شك؟
لطالما حرص حزب الله على اتهام الخارج بالتآمر على البلد والمقاومة وسلاحها. لكنه في ما يبدو يثق ثقة عمياء بالتسريبات الدبلوماسية التي تصل إلى مسامع قادته. والحق أن هذه أكثر من كبوة جواد. اليس كذلك استاذ جهاد؟