ليس ثمة من شك ان حزب الله قادر على بسط سيطرته الأمنية على لبنان. لم يكن الأمر يحتاج إلى نشر سيناريوهات وبروفات في الصحف التي تواليه حتى يعلم اللبنانييون أنه قادر على ذلك. أصلاً لم يخرج احد من الفريق الخصم ويعلن انه قادر على هزيمة حزب الله او ينوي مقاومته إذا ما لجأ إلى مثل هذا الخيار، وهو أرجح.
حزب الله لم يعد يملك من الأوراق غير التهديد بالأمن. لكن احدا لم يدفعه فعلاً إلى سلوك هذه الطريق التي جعلته يخسر اوراقه الأخرى. بدءاً من الحديث عن العناصر غير المنضبطة، الذي ثارت ثائرة حزب الله على مجرد طرحه بوصفه باب تسوية ما، وصولاً إلى الهجوم النسائي على المحققين الدوليين، لم يفعل حزب الله غير محاولة إيقاظ بركان خامد، والأرجح انه نجح في ذلك، وما زال يهز نوم مارد آخر نرجو من الله ان يكون نومه عميقاً.
كان في وسع سياسة عاقلة ان تجنح إلى التعامل مع اي قرار ظني بصرف النظر عن هويات الذين سيتهمهم هذا القرار، على النحو الذي اقترحه وليد جنبلاط على حزب الله في العام 2005، حين جمع معظم قوى 14 آذار ndash; مارس في حلف رباعي مع حزب الله وبعض حلفائه، ونشطت وجوه هذا الفريق في تسويق لبنانية سلاح حزب الله واعتباره شأناً داخلياً محضاً. يومها، وأمام قرقعة الهجوم الدولي على لبنان والمنطقة، لم تصمد سوريا في لبنان طويلاً وكان ان خرجت على عجل. ويومها ايضاً، كان حزب الله منفتحاً على الحوار حول كل شيء بما فيها سلاحه. لكن الاحتضان اللبناني يومذاك حمى سلاح حزب الله، ودفع غوندوليزا رايس بعد وقت إلى التصريح بأن القرار 1559 هو مجرد قرار مبدأي، وليس موضوعاً للتنفيذ في التو واللحظة.
فهل ثمة من يتذكر ذلك بين القادرة الموصفين بدقتهم في التحليل؟
لا يجدر بأي كان ان يستسهل صدور قرار ظني يتهم افراداً من حزب الله بالمشاركة في الجريمة. هذا في مطلق الأحوال يستدعي من حزب الله واللبنانيين عموماً بذل قصارى الجهود لكي لا تتحول جرائم الاغتيال السابقة إلى حلقة اولى في سلسلة افظع وأكثر عنفاً وإسالة للدم. لكن سلوك حزب الله نفسه اوصد ابواب التسوية، ووضعه مع لبنان برمته في عين العاصفة. والحق ان الشعرة التي قصمت ظهر البعير، تمثلت في الهجوم النسائي على المحققين الدوليين، ما جعل المجتمع الدولي يستعيد زمام الهجوم، ويقرر استعادة لبنان من أسفل قائمة الاهتمامات الدولية إلى رأسها. والأرجح ان المكابرة التي يبديها سياسيون لبنانيون معارضون، لا محل لها من الإعراب، ذلك ان أميركا ما زالت تملك من الأوراق ما لا طاقة لحزب الله ولا لأحزاب أكبر منه وأقوى على نزعها من بين يديها. على اي حال، يجدر بالذين يظنون في اميركا الوهن وانعدام القدرة ان يصغوا جيداً إلى الصمت السوري على هجوم فيلتمان. ذلك ان التصريح بأن سوريا تحتفظ بحق الرد يعني بالنسبة للعارفين بخفايا السياسة السورية انها عاجزة عن الرد تماماً.
ليس أمر اثبات القدرة الأميركية على الفعل بحاجة لبراهين كثيرة. يكفي ان ننظر إلى الوضع الداخلي في إيران لندرك أن اميركا اكثر من قادرة. مع أن هذه الوقائع لا تقنع جمهور حزب الله وثوريي الزمن الحديث. لكن عجز هؤلاء عن الاقتناع لا يلغي وقائعها الدامغة على حياة الإيرانيين اليومية، وعلى ظروف عيشهم التي تزداد صعوبة يوماً بعد يوم.
مع ذلك لم يكتف حزب الله بسلوك سياسة الضرب على الحديد لفك اللحام مع اميركا والمجتمع الدولي فقط، بل ها هو يعلن، عبر المقربين منه، انه سينهي عهد الحريري في لبنان إلى الأبد. ومعنى ذلك عملياً أنه سيهزم الاعتدال السني الممثل بالحريري، وفي ظنه انه بذلك ينصر حلفاءه من الوجوه والشخصيات السنية في لبنان. واقع الامر، انه لألف سبب وسبب، لن يكون البديل عن الحريري المعتدل والمسالم زعيماً ممانعاً ومقاوماً. ذلك ان الضجيج المصم الذي يطلقه حزب الله حيال موقفه من القرار الظني، وصل إلى حد تخيل سيناريوهات اصولية متطرفة، ولا يخفى ان عين حزب الله اليوم مفتوحة على الأصوليين من اهل السنة في لبنان، تراقبها تسلحاً وهياجاً واعتراضاً. ولو حدث، ان قرر حزب الله الإطاحة بالحريري بوصفه زعيماً للسنة، او قرر المضي بالضغط عليه حد اضطراره للإذعان التام، فإن المارد الذي قد يستفيق سيكون أكثر شراً وأشرس غضباً من البركان الأميركي الذي استيقظ اصلاً.