الأزمة التي تعصف بلبنان اليوم لا يمكن تجاهلها أو التخفيف من وطأتها. لقد وجد حزب الله نفسه فجأة أمام لحظة الحقيقة. امضى الحزب زمناً طويلاً، من عمر اللبنانيين جميعاً، وهو يحمّل نفسه اكثر من قدرتها على الحمل. في وثيقته التي صدرت عن مؤتمره العام، اعلن انه طرف أساسي من أطراف الصراع مع الإمبريالية الأميركية، بل يكاد يكون أقواها على الإطلاق. لم يترك مناسبة إلا وأعلن انه سيدمر إسرائيل من جنوب لبنان لو دعت الحاجة. مد أذرعته إلى مصر بعد الأردن، وهدد سفراء دول عربية كبرى ودول أجنبية. حزب الله سلك مسلك من ظن نفسه دولة عظمى او ذراع دولة عظمى على الأقل. وبهذا السلوك وضع نفسه ولبنان برمته في مهب الرياح العنيفة. لقد قال حزب الله في ما يخص العلاقة اللبنانية مع سوريا كلاماً عاقلاً، لكنه في ما يخص العلاقة اللبنانية مع دول العالم كله، اسفر عن جنون مطبق. في العلاقة اللبنانية ndash; السورية، لطالما ردد ان لبنان بلد صغير ولا يستطيع ان يعلن حرباً او يداوم على خصومة مع سوريا. لكن هذا الخطاب العاقل على الجهة السورية لم يكن مماثلاً لخطابه على الجهة المصرية مثلاً. قد تكون السياسة الخارجية المصرية محدودة التأثير في هذه الأيام. لكنها مصر التي مهما بلغ بها الوهن والضعف تبقى اقوى من لبنان بما تعجز الموازين عن قياسه. كيف يكون حزب الله عاقلاً تجاه سوريا ومجنوناً تجاه مصر؟ الأرجح ان هذا الاختلاط هو السبب الذي جعل الحزب اليوم بين فكي كماشة. والحق، انه يطالب اللبنانيين اليوم بحمايته بعدما اجتهد وصارع بأسنانه وأظافره لنزع اسلحتهم القادرة على تأمين حماية جزئية له. لنتذكر جيداً ان تصريح السيد وليد جنبلاط معلقاً على القرار الدولي 1559، ومعتبراً ان سلاح حزب الله شأن داخلي عن درج الأليزيه في باريس ليس له الوقع والأثر نفسه لتصريحه من القنطاري عن فتنة دير شبيغل. في المسافة الفاصلة بين التصريحين اجتهد حزب الله في سعيه لنزع الشرعية عن كل علاقة لبنانية مع الخارج. وفي ما يخص المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فإن حزب الله هو من سعى سعياً حثيثاً إلى نزع كل تأثير لبناني عليها. لقد شن صحافيوه حملات لا سابق لها على القضاة اللبنانيين فيها، ورفعت تهم العمالة في وجه كل من تعامل معها او استلم وظيفة في حرمها. واشتبه بكل علاقة لبنانية في السياسة مع المحكمة. في المحصلة دفع حزب الله السياسيين اللبنانيين دفعاً إلى الإعلان ان سير المحكمة وطريقة عملها ما عادا متعلقين بلبنان واللبنانيين، والحق ان قدرة اللبنانيين على التأثير في مسارات المحكمة ليست قدرة شاملة. وحين وصلت المحكمة إلى الحال الذي وصلت إليه من استقلال تام عن اي تأثير لبناني عليها، اصبح حزب الله ملحاحاً في تطلب الدعم اللبناني له في مواجهة المحكمة.
حزب الله الذي يهدد اللبنانيين اليوم، يعرف انهم لن يستطيعوا منحه ما يريده. ليس لأنهم راغبون بإشعال الفتن، بل لأنهم باتوا عاجزين عن حماية انفسهم، فكيف بحمايته هو.
الشعور الذي امتلك جوارح حزب الله قيادة وقواعد بأنهم باتوا اقوى من اي قوة في العالم، وأن العالم كله عاجز عن مواجهتهم، وضعهم في هذه الزاوية الحرجة. فعوضاً عن العمل على تسوية لبنانية ndash; لبنانية في لحظة من اللحظات، حين كانت آليات الهجوم الدولي على لبنان تقرقع في سماء بيروت، آثر المواجهة والهجوم. وواقع الامر انه نجح في إلحاق نصف هزيمة بشركائه من اللبنانيين، فظن أنه انتصر على العالم.
ليس ثمة ادعى للحزن والأسف من مشهد الأيام الاخيرة في لبنان. ثمة السيد حسن نصرالله يهدد اللبنانيين والعالم كله، بأنه سيغير معادلات المنطقة وشروط اللعبة السياسية في لبنان وخارجه، لكنه يعلن هذا كله عبر شاشة ضخمة. ذلك ان قادة الحزب الذي انتصر على العالم ما زالوا مضطرين للعيش في المخابئ المحصنة.
حزب الله الذي قيض له، بجهده وتضحياته، ان يكون ركناً اساسياً من اركان الاستقلال اللبناني، بعد إنجازه الرائع في التحرير، آثر ان يلعب لعبة اكبر من لبنان وقدراته، وها نحن اللبنانيين جميعاً، نقف عاجزين عن مساعدته في هذه المواجهة التي يخوضها اليوم. ذلك انه هو نفسه من فرط بقدرتنا على دعمه والانحياز إليه. الآن ثمة قرار ظني سيصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وإذا صح ما يتم تداوله من أن الادعاء العام في هذه المحكمة سيتهم عناصر من حزب الله بتنفيذ جريمة اغتيال الرئيس الحريري، فإن الخوف من الفتنة الداخلية يصبح اهون الشرور. ذلك ان صدور مثل هذا القرار سيكون إدانة دولية عامة لحزب الله يعجز اللبنانيون جميعاً عن محوها او تغيير حرف من حروفها.