ارتأى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو وائتلافه الحاكم ان يجهز المسرح الإسرائيلي لاستقبال جورج ميتشيل على نحو يسمح له باستعراض حججه أمام ضيفه الذي ينتظر منه أجوبة محددة على اسئلة محددة جداً. احزاب اليمين الإسرائيلية ملأت شوارع المدن والقرى وغطت باصات النقل العام ولافتات الشوارع بلافتات تعلن بلا مواربة ان عدو إسرائيل الوجودي هو باراك اوباما، او على وجه الدقة، حسين اوباما. في إشارة إلى اصول اوباما الإسلامية. والحق ان مثل هذا السلوك الدعائي ليس جديداً على الإسرائيليين والمتحمسين لهم في العالم، فمثل هذه التسميات التي تطلق على اوباما كانت متداولة منذ زمن في المراسلات الخاصة التي يتداولها اليهود في ما بينهم، خصوصاً في الولايات المتحدة. بل وذهبت بعض القراءات في تلك الرسائل، ومنذ بداية عهد اوباما، إلى اعتبار وصوله إلى البيت الأبيض اخطر هزيمة منيت بها إسرائيل في حروبها كافة.
ما من شك ان الخلاف بين اوباما وادارته ونتانياهو وادارته يتعاظم ويترسخ يوماً بعد يوم، وما من شك ايضاً ان هذا الخلاف يشكل في حد ذاته فرصة فلسطينية وعربية مزدوجة. فمن جهة اولى يستطيع العرب والفلسطينيون استثمار الخلاف المتعاظم بين الإدارتين لتحسين مواقفهم ومواقعهم في حصون الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي على حد سواء. خصوصاً ان هذا الخلاف يفتح نافذة متسعة في الجدار الصفيق الذي لطالما واجه اي جهد عربي او فلسطيني في شرح مواقفهم وتفنيد آرائهم، وهذا في حد ذاته هزيمة اسرائيلية كبرى. هذا إذا لم نضف إلى هذه الوقائع تلك الواقعة المتداولة في أوساط الدبلوماسية الأميركية المهتمة بشؤون المنطقة والتي تؤكد ان ثمة رسالة مباشرة ارسلها اوباما لقادة حماس في قطاع غزة، يطلب منهم فيها ان لا يخربوا جهوده الضاغطة على الحكومة الإسرائيلية الحالية بصواريخ القسام. مما دفع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى الإعلان الصريح، وهو إعلان ضغط على حماس، بأن اي تحرش إسرائيلي بقطاع غزة سيؤدي إلى هزيمة إسرائيلية مبرمة. في محاولة لدفع الحدود نحو لحظة توتر، يبدو أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من الوصول إلى قمتها هذه، وربما إيران أيضاً.
من جهة ثانية، وبصرف النظر عن نظريات المؤامرة التي يعشقها المحللون العرب. إلا أنه بات من الثابت ان الضغط الأميركي على الحكومة الإسرائيلية الذي تقابله حكومة نتانياهو بتعنت يعرف الإسرائيليون انفسهم انه لا يصب في مصلحتهم على اي وجه من الوجوه، يعمل على حدين مختلفين. هذا الضغط يكبل إسرائيل دولياً ويسمح للفلسطينيين مرة أخرى ياستئناف نضالهم المشروع على خلفية تفهم دولي كان عزيز المنال في السنوات السابقة. ويؤدي من جهة أخرى إلى احراج الخطاب الإيراني المتطرف الذي يرى اصل المشكلة في أميركا نفسها ويرفع من وتيرة الخطاب المعادي لها في المنطقة.
يدرك المراقبون لتطور الأوضاع ان إسرائيل ستذعن آجلاً أم عاجلاً وتخضع للضغوط الأميركية. ويوم يتم لأميركا ما تريده من إسرائيل، سيأتي الدور على الفلسطينيين والعرب انفسهم للقبول بالشروط الأميركية الملزمة. والأرجح ان الفلسطينيين لن يستسهلوا الموافقة على الرؤية الاميركية للحل التي يرى موشيه ارينز انها لا تختلف ابداً عن خطة كلينتون التي رفضها الرئيس الراحل ياسر عرفات وأدت إلى الانتفاضة الثانية. لكننا في الأثناء وفي انتظار خضوع نتانياهو واضطراره إلى إجراء تعديل حكومي يصدر بعض الوجوه المقبولة دولياً من أمثال تسيبي ليفني إلى واجهة القرار الإسرائيلي، يجدر بنا ان لا نضيع الفرصة السانحة في البناء على الخلاف الأميركي ndash; الإسرائيلي، لاقتحام بعض حصون الرأي العام الدولي والأميركي خصوصاً وتثبيت مقعد لفلسطين فيها. فاللحظة سانحة والزمن المقبل قد يكون عسيراً وممتنعاً على مثل هذه الاقتحامات.