لم يخف المسؤولون الإيرانيون علاقتهم بالتمرد الحوثي في شمال اليمن. نظرياً يستطيع المراقب ان يفهم ان الدعم الإيراني، وربما التحريض، للحوثيين بديهياً. فحين تجد دولة أقليمية كبيرة كإيران موطئ قدم في مكان ما لن تتورع عن تقديم قدمها ومحاولة تثبيتها في هذا الموطئ. هذا يقع في صلب عمل الدبلوماسيات عموماً. إنما عملياً واستناداً إلى الأوضاع القائمة، فلا يبدو ان ما تقوم به إيران، في اليمن وفي اكثر من مكان من العالم العربي، يستند إلى اي حس سليم. ذلك ان حديث الخلاف الشيعي ndash; السني لم يعد خافياً في المنطقة. وحين يكون الحديث على هذه الوتيرة من الحدة لن يلبث بعد حين ان يتحول مجازر متنقلة.
مفهوم ان تعمد دولة ما إلى استغلال مناطق نفوذها واستثمار مواردها وطاقاتها تالياً، وإيران ليست بعيدة عن هذا المفهوم. وغير مفهوم ان تغامر دولة كأيران في لعبة كراهية ليس لها خاتمة غير المذابح. ذلك ان النفخ في ابواق حقوق التشكيلات ما قبل الدولتية، وهو نفخ دأبت إيران على تغذيته بالشرارات اللازمة، لن يلبث ان يدمر كافة البنى الحديثة التي ما زالت تعصم المنطقة، وإيران في قلبها، من حروب على الهويات لا تبقي ولا تذر. فالمقترح الإيراني على هذا المستوى ليس أقل من انضاج ظروف وتهيئة ارضية لسيادة قرون وسطى وظلامية في المنطقة، حيث تصبح السيوف هي الفيصل الوحيد في حل النزاعات. وحيث لا يعود ثمة غير الحروب وسيلة للتحاور. وحيث، ايضاً وايضاً، تذوب الهويات الحديثة والجامعة للدول، لتحل محلها هويات ما دون دولتية وما قبل حديثة. في هذه الحال لا تعود الحروب تقوم استناداً إلى المصالح بل إلى الغيرية المطلقة. ومع سيادة هذا المنطق يتهاوى ميزان الربح والخسارة في الحروب، وتتحول الإبادة مطلباً وحيداً. والحق أن سيادة هذا المنطق لن تجعل إيرن في منأى عن مخاطره الداخلية.
ثمة فارق جوهري بين ما يجري على الحدود السعودية ndash; اليمنية وما يجري من خلافات على السلطة في إيران. في الحال الأولى لا بد من ملاحظة ان الصراع يكاد يكون من دون عناوين سياسية حديثة. ثمة من يعادي جيرانه، لأنهم مختلفون عنه. وفي الحال الثانية هناك صراع له عناوين سياسية واضحة، ولا احد عملياً يريد إبادة الآخر. مما يعني ان السلوك السياسي هو المطلوب تغييره لا أكثر ولا أقل. لهذا لا يستقيم الحديث عن تدخل خارجي في الشؤون الإيرانية تقابله إيران بتدخل في شؤون من تستطيع التدخل في شؤونه. فالتدخل في الشؤون الإيرانية لو ثبت، هو تدخل في تغيير الوجهة السياسية بناء على معطيات معاصرة وتتصل بالعالم من اوسع ابوابه، اما التدخل الإيراني في اليمن، وفي غير اليمن، فهو تدخل يهدف إلى صناعة اختلاف بين المكونات الأصلية التي تتكون منها دول المنطقة، وثمة فارق جوهري وبالغ الأهمية بين ما اعتبرته مصر تدخلاً في شؤونها اثر الكشف عن خلية حزب الله التي تخضع للمحاكمة، وبين ما يجري في اليمن. ذلك ان خلية حزب الله تعترض على سياسة عامة، ولا تعادي المصريين لأنهم مصريين، او لأنهم شيعة او سنة او زيديين، في حين ان ما يجري على الحدود السعودية ndash; اليمنية يكتسب طابعاً بالغ الخطورة لجهة ان العناوين التي تدار المعارك على اساسها هي عناوين تقيم وزناً فائضاً لمسائل الاختلاف المذهبي والديني، مما يعني استعداء كل من يخالفك الرأي والاعتقاد.
من المرجح ان تنجح المملكة العربية السعودية في حصر النار التي تهدد المنطقة عموماً، وعلى الأغلب سيصل الحوثيون هناك إلى إقامة مفاضلة بين استمرار الحرب من دون مكاسب او السلام مع بعضها. وثمة قدرة سعودية فائقة على حصر هذا النزاع في شقه المحلي حصراً ومنع امتداداته. لكن هذا كله لا ينفي ولا يجب ان ينسينا ان السلوك الإيراني تدخلاً خارج حدوده هو مثابة لعب بالنار، لن تنجو منه إيران نفسها. فحروب الهويات الصغيرة تشبه الطاعون، عدواه سريعة وقدرته على الفتك لا شك فيها.
- آخر تحديث :
التعليقات