يرى حزب الله نفسه كبيراً. معه حق. فهو من دون شك حزب متجاوز لمحلية لبنانية ضيقة. حزب له امتداد إقليمي، ويطمح، بحسب الوثيقة السياسية التي انبثقت عن مؤتمره الثاني، إلى تحقيق امتدادات عالمية. نواف الموسوي نائب حزب الله في البرلمان اللبناني، يرد على منتقدي تلك الوثيقة، الذين رأوا فيها اغفالاً لأي انتماء عربي لدى الحزب، بالقول ان حزب الله لم يحدد العروبة انتماء لأنه يطمح لتشكيل رابطة نضالية، اوسع من العروبة واوسع من الرابطة الإسلامية، لأنها في نهاية المطاف رابطة عالمية، او معولمة بحسب التعبير الشائع والسيار. وما يشد لحمة هذه الرابطة ليس اكثر من مقارعة الإمبريالية الأميركية ورغبتها بالهيمنة على العالم اجمع. وتالياً فإن الثائر في الاوروغواي او غواتيمالا ضد الهيمنة الاميركية هو حكماً عضو في هذه الرابطة وحليف من حلفاء حزب الله.
لكن شحة النظر في هذه الحجة لا تخفى على احد. فالعالم، او مستضعفوه، يتحد في مواجهة الغطرسة الاميركية، لكنه اي العالم، او مستضعفوه، ليس متحداً ومتفقاً او متوافقاً في موجبات النظر والعمل وفي طرائق الحكم وثقافة العيش. ومؤدى هذا الشح النظري ليس اقل من افتراض ان مثل هذه الرابطة إنما يحض على تشكيلها معاداة الإمبريالية الأميركية سبباً واحداً ووحيداً، فلو ان هذه الإمبريالية كفت عن التطلع إلى توسع امبراطوري، لانتفت الحاجة إلى مثل هذا التشكيل النضالي.
لم يكن حزب الله مرة في تاريخه حزباً آخر. ولم تكن الولايات المتحدة الأميركية مرة غير عدو بالنسبة له. هذا ويفترض حزب الله ان فكرة النضال ضد الإمبريالية الأميركية تستطيع وحدها ان تقيم اود مثل هذه الرابطة برمته. معنى هذه الإقامة، ان حزب الله يكبر وتتوسع دائرة مؤيديه ليس في صفوف الشعب بل في صفوف المناضلين والمقاتلين. ذلك ان مثل هذه الفكرة الرقيقة الحاشية لا تقدم للمنضوين في هذه الرابطة ما يمكّنهم من معالجة الأصول النظرية والثقافية التي جعلت من الولايات المتحدة امبراطورية منتصرة. وإذا لم نحسب حساب الحديث النجادي عن افول اميركا وامبراطوريتها وعن ضعفها ووهنها، بافتراض انه حديث لا يستند إلى اسس دقيقة، وهو على الأغلب حديث يراد منه التحريض والتثوير ورفع المعنويات ولا يراد منه الإقناع حتماً، فإن الإمبريالية الأميركية إلى امد غير منظور تقريباً ما زالت عصية على الكسر. ليس لأنها تملك جيشاَ لا يقوى على مواجهته اي جيش في العالم، بل لأنها تملك القدرة على تمويل هذا الجيش من ثروات العالم كله شاء العالم ام ابى، في حروبها العادلة والظالمة على حد سواء.
والحال، يستطيع حزب الله ان يقنعنا بجور السياسة الأميركية، ليس في لبنان وحسب بل اينما كان. وهذا أمر يكاد يكون مفهوماً في اوروبا والأميركيتين مثلما هو مفهوم في آسيا وافريقيا. إنما ما لا يستطيع حزب الله ان يقنعنا به هو البديل لهذه الهيمنة. ذلك ان الشيوعية لم تكتسب قوتها الحاسمة والمحركة في العالم اجمع، إلا لأنها كانت تقترح نظام حياة وحكم دنيوي في الدرجة الأولى ومتصل بالحداثة من غير لبس، ويعد الناس بأن العالم لن يتأخر علمأً وتقانة وصناعة ووفرة، وانه قادر على إزالة الظلم ونشر العدل ومنع التفاوت وإقامة نظام المساواة. في مثل هذا النظام، ثمة مدير المصنع والعامل والطبيب والمهندس، وثمة الجندي ايضاً. لكننا في نسخة حزب الله نقف على الجندي ونشعر بثقل وجوده، لكننا لا نرى العامل والتاجر، ذلك ان حزب الله إنما يناضل لهزيمة الإمبريالية الأميركية وليس لانتصار احد.
سؤال ساذج: لو هزمت اميركا فعلاً، هل نعود لنقرأ كلام السيد الموسوي عبر الأنترنت؟ وهل ستتحول الليرة اللبنانية مقومة للثروات في العالم، وعلى اساس قيمتها الراسخة، بسبب ان الدولة اللبنانية تضمنها، يتم تسعير السلع والأدوات؟
الأرجح ان ما يقوله حزب الله في وثيقته هذه لم يكن من الأقوال المفكر فيها طويلاً. انها حجة فقط لمن يريد ان يحاجج في السلاح. اليس الظلم موجوداً، اكان صينياً ام روسياً ام أميركي المصدر؟ إذاً سيبقى السلاح في يدنا لمحاربة هذا الظلم.