الصينيون يشترون ثيابهم من ايطاليا وفرنسا، لكن الاميركيين يشترون ثيابهم من الصين. ثمة بين الدولتين الكبريين صراع على القمة. من سيقود العالم في العقود المقبلة؟ وهو صراع يدرك الصينيون والأميركيون انه حاد وقاس، لكنهم في الأحوال كافة يستمرون في تعاون مثمر لكلا الشعبين. أقله حتى الآن. ليس ثمة لدى الصينيين شك في أن اميركا قد تهاجم بلادهم، وليس لدى الأميركيين شك مماثل، قد يدفع الصين إلى مهاجمة أميركا. يبقى ان الصراع مفتوح، في البلدين وفي العالم أيضاً. وبصرف النظر عن الإمكانات والثروات الكامنة في كلا البلدين، والتي قد يصار إلى استخدامها في هذا الصراع، إلا أن الثابت ان مثل هذا الصراع الحاد له آثاره المثمرة على البلدين، ازدهاراً اقتصادياً وارتفاعاً في مستوى الدخل القومي، وسعياً حثيثاً نحو تحسين ظروف العيش للشعبين. لا يشك الصيني لحظة واحدة في أن التقدم الذي تحرزه بلاده في مجالات التجارة والصناعة والعلوم يعود بالخير على الصينيين جميعاً. رغم ان هوة التفاوت الحاصل بين الدخول الفردية، لدى الاغنياء والفقراء ما زالت متسعة.
في السياسة الخارجية تملك الصين افضلية كبرى على الولايات المتحدة الأميركية. ذلك ان الصين ليست معنية بسباق التسلح، وليست مطالبة، إلى هذا الحد أو ذاك، باجتراح حلول عسكرية لأزمات مستعصية على الحلول حتى الآن، في الشرق الأوسط وفي آسيا القريبة كثيراً من الصين. هذه الأفضلية تريد الصين ان تحافظ عليها مشتعلة الأوار. ذلك ان احتمال دخول الولايات المتحدة في حروب على مستوى منطقة الشرق الأوسط خصوصاً، يعزز الحظوظ الصينية في تجاوز أميركا والحلول محلها بوصفها قاطرة الاقتصاد العالمي، او بوصفها الدولة القائدة. والحق ان حدوث حرب كالتي يكثر الحديث عنها في منطقة الشرق الأوسط هذه الأيام، لن يؤدي إلى هزيمة أميركية مثلما يشيع بعض المتحمسين لسياسات محمود أحمدي نجاد المغامرة. لكن الدخول في مثل هذه الحرب لن يمر من دون خسائر أميركية لا يستهان بحجمها. وهذا يكاد يكون أمراً محسوماً، إذ أن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على افغانستان والعراق، رغم محدودية رقعتها تبدو مقارنة بالحرب المحتملة الوقوع اليوم، حادثاً بسيطاً. ورغم محدودية تينك الحربين، إلا أنهما كلفتا الولايات المتحدة الأميركية أكلافاً باهظة، بل ويذهب بعض الاقتصاديين المرموقين في الولايات المتحدة إلى الاعتقاد بأن تينك الحربين هما السبب الأول والأهم الذي أدى إلى انفجار الفقاعة العقارية في أميركا وهدد الاقتصاد العالمي برمته.
كل هذه السيناريوهات لها طبعاً ما يعارضها، وثمة آراء وجيهة تصدر من هنا وهناك، تعارض مثل هذا التبسيط في الصراع. ذلك أن الولايات المتحدة الاميركية تملك مصادر قوة لا قبل للصين بمواجهتها على اي نحو. بعض هذه المصادر تتمثل في احتكار أميركا لقطاع المعلومات على مستوى العالم كله، كذلك في اتساع رقعة التعامل بالدولار الاميركي، إلى حد يصعب معه احصاء اوراقه، حتى على مصرف الاحتياط الفيدرالي الاميركي نفسه. هذا إضافة إلى أمور أخرى كثيرة لا يجدر بالمرء ان يستهين بقدرتها على الضغط والتأثير، بدءاً بصناعة السينما والترفيه، وصولاً إلى الصناعات الطبية والتكنولوجيات العالية الدقة والمتناهية الصغر.
لكن هذه الملاحظات كلها لا تنفي ان الصين تقبع على قمة العالم او تكاد، وانها اليوم تشكل التهديد الفعلي للريادة الاميركية في كافة المجالات. وإعادة توكيد هذه الملاحظة يوضح جانباً آخر في الوضع الدولي الذي يغلي ويفور. ذلك ان ثمة في العالم من يعتقد جازماً اليوم ان في وسع إيران ان تهدد الولايات المتحدة فعلياً، بل ويذهب الرئيس الإيراني إلى حد التصريح العلني والمتكرر بأن شمس أميركا إلى افول، وها هي شمس ثورة الباسيج تنتشر فوق الرجاء الأرض كلها. والحق ان الناظر إلى الهموم الاميركية حيال التهديد الصيني او الأوروبي يدرك من دون شك ان ما يمنع أميركا عن تدمير ايران تدميراً كاملاً ليس إلا خوف الأميركيين من ان تسبقهم الصين إلى الموقع الأول.
هل ثمة عاقل يمكنه ان يتردد مرتين في المفاضلة بين السلوك الصيني والسلوك الإيراني؟ وهل ثمة من لا يزال يعتقد ان الجيش الأميركي في العراق، سيكون فعلاً لقمة سائغة في حلق المارد الإيراني إذا ما نشبت الحرب؟