في اسرائيل كتاب ومسؤولون امنيون وسياسيون سابقون وفي الخدمة يحذرون من التداعيات الخطيرة للمواجهات بين الدولة الإسرائيلية وأعدائها. يقولون لقد تعلم العدو الدرس جيداً، وكما في كل حرب، يدرس الطرفان نقاط ضعف بعضهما البعض ونقاط القوة. كل طرف يستغل نقاط الضعف عند الطرف الآخر ويحاول ان يقلل من اخطار نقاط القوة. المعضلة الفعلية التي يتحدث الإسرائيليون عنها في أي مواجهة مقبلة، تكمن في واقع ان الرد الإسرائيلي على اي هجوم محتمل سيوقع في صفوف المدنيين من الطرف الآخر أضراراً بالغة. ووقوع الأضرار هذه تضير إسرائيل وتقلل من الحماسة الدولية للدفاع عنها، وهو الأمر الأهم بالنسبة للإسرائيليين. ذلك انه حتى اليوم ما زال الإسرائيليون يسمعون من الموفدين الدوليين إلى تل أبيب، الغربيون منهم خصوصاً، تأكيداً قاطعاً بأن المجتمع الدولي حاسم في الالتزام بحق إسرائيل في الوجود.
والحق أن هذا التسليم الدولي في حد ذاته هو أقوى اسلحة إسرائيل الاستراتيجية وأكثرها تفوقاً. فلو حدث ان حصلت حرب إسرائيلية ضد إيران، سواء شملت سوريا ولبنان وفلسطين ام لم تشملها، وحدث ان مالت الموازين العسكرية لصالح إيران في هذه المواجهة، فإن المجتمع الدولي برمته سيدافع عن إسرائيل عسكرياً لو اقتضى الأمر، وهذابالطبع لن يستثني روسيا والصين لأسباب لا تخفى على إيران نفسها.
واقع الأمر ان اي حرب مقبلة، قد تضع إسرائيل في مواجهة امتحانات عسيرة. لكن زوال إسرائيل في هذه الحرب، على نحو ما يصرح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، ليست من النتائج التي يمكن ان يتقبلها المجتمع الدولي. في حين ان هزيمة نهائية للنظام الإيراني تبدو أكثر من مرغوبة لدى شطر واسع ومقرر في المجتمع الدولي. والحال، ثمة احتمالات واضحة لنتائج هذه الحرب: نصف هزيمة إسرائيلية تجعل من إيران مقرراً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط، او هزيمة إيرانية كاملة تجعل من إسرائيل الدولة الأكبر والأمنع في منطقة الشرق الأوسط لعقود طويلة مقبلة. لذلك تبدو الحرب بهذا المعنى بالنسبة للطرفين تحصيلاً حاصلاً. ذلك ان اي قائد سياسي او عسكري في اي جهة من الجهتين يدرك ان تبعات الانتصار تستحق مثل هذه التضحيات ومثل هذه المغامرات.
هذا يعني بالنسبة للمعسكر الذي تقوده إيران ان اي حرب مقبلة إذا انتهت بتحقيق انجاز إيراني فيها، يجب ان تقود إلى تسوية ما تجبر إسرائيل على التنازل بهذا القدر او ذاك، لكنها قطعاً لن تنهي وجود الدولة العبرية وتحرر الأرض لتقيم عليها دولة فلسطينية ما. وقد يكون هذا ما يفسر السبب الذي يؤخر إسرائيل عن المباشرة في هذه الحرب التي تتفوق فيها استراتيجياً تفوقاً لا يختلف فيه اثنان. ذلك ان الانصياع للرغبة الأميركية في تجنب اشعال المنطقة التي اصبحت عبارة عن برميل بارود مضغوط، يبقي الخطط الإسرائيلية في مربع الشرعية الدولية وتالياً يسمح لها باستثمار الدعم اللامحدود في أي حرب مقبلة. لذلك تدفع إسرائيل بقوة، إلى جعل الحرب المقبلة حرباً شاملة مما يجعلها حرباً لها بعد عالمي لوجستياً وسياسياً يختلف اختلافاً جذرياً عن حروب إسرائيل السابقة.
رغم ان التفوق الإسرائيلي مرئي جيداً من النافذة الإيرانية. إلا أن التصريحات الإيرانية تدل على ان احداً لا يرى، او يعقل ما يجري على هذا المستوى. والأرجح ان إيران العارفة والمدركة لهذا كله، إنما تراهن مرة أخرى على خوض حرب بالمقاومات. أي حرب في لبنان وفلسطين، وسوريا إن لزم الأمر، على ان لا تصل الحرب الإسرائيلية إلى أراضيها او مياهها او تطاول اجواءها. ولا شك ان العين الإيرانية ترمق الحراك الأميركي بكل يقظة. لأن إجازة حرب محدودة الرقعة في لبنان وفلسطين، اميركياً، هو بمثابة نصر إيراني واضح المعالم من قبل ان تسفر الحرب عن نتائج. أما الدخول في حرب شاملة تكون إيران مسرحها الرئيسي، فهو الأمر الذي ترغب فيه إسرائيل أكثر ما ترغب، وتحاول إيران تجنبه أكثر ما تحاول. حتى لو اضطرها الأمر إلى إشعال حرب بديلة في الخليج العربي، الذي تطمح إيران لأن يصبح فارسياً تسمية ومسمىً.