من اكثر ما يغبط اللبنانيين اليوم، بعضهم على الأقل، ان التهديد الإسرائيلي بالحرب لم يعد مقتصراً على لبنان فقط. خطاب امين عام حزب الله في ذكرى القادة الشهداء، أعاد التذكير بأن لبنان منخرط حتى أذنيه بجدول هذا الصراع وروزنامته. والحق ان هذا الإعلان يقع في باب تحصيل الحاصل. ذلك ان لبنان على يدي حزب الله ومن سبقه من مقاومات متورط في هذا الصراع، وكثيراً ما كان وحيداً ومستفرداً في ورطته. اليوم ثمة اتجاه عام في المنطقة لحسم الأمور العالقة، حرباً او سلماً، وهذا يفترض في المقام الأول ان اي حرب مقبلة لن تكون حرباً على قطاع غزة فقط، او على جنوب لبنان. الحرب المقبلة ستطاول دولاً ومناطق وأقاليم. وهذا مما يستدعي بإلحاح إعادة النظر في معاني النصر والهزيمة في هذه الحرب. ذلك ان ما ينطبق على قادة حركة quot;حماسquot; في غزة، او قادة quot;حزب اللهquot; في لبنان من معايير يختلف ايما اختلاف عما ينطبق على إيران وسوريا الطامحتين، مثل كل الدول في العالم أجمع، إلى نصر يترجم ازدهاراً ونفوذاً متعاظماً وتالياً قدراً من المنعة يفرض على اي طرف يفكر في الاعتداء على هذه الدول ان يشاور عقله مرتين وثلاث.
في السياسة، يمكن القول ان شمولية الحرب المقبلة لم تكن هدفاً إيرانياً ndash; سورياً. ذلك ان الدولتين سعتا ما أمكنهما طوال العقود الماضية إلى الخروج من ساحة الحرب، مثلما أجادتا الحرب بالواسطة، وتولتا ناصية المداخلة الحادة وتدبيج خطابات النصر، في وقت كان ثمة قتلى وجرحى يقعون بالمئات في كل مواجهة بين quot;حزب اللهquot; وإسرائيل او بين حركة quot;حماسquot; وإسرائيل، هذا فضلاً عن العقابيل الخطيرة التي تعقب كل حرب، والتي تتمثل بانهيارات متسعة في الاقتصاد والاجتماع والثقافة في كلا البلدين. في الأثناء، وتأسيساً على الخسارات اللبنانية والفلسطينية، كان ثمة من يجيز لنفسه الوقوف على مدرج جامعة دمشق او في مسجد من مساجد طهران، ليعلن انتصاره المفحم وغير القابل للجدل على إسرائيل. والمتأمل في متن هذه السياسة يدرك من دون لأي وتعب، ان إيران وسوريا نجحتا في تجنب خطرين: خطر الحروب الإسرائيلية وخطر فوضى المقاومات. في وقت لم تنج الدول العربية الكبرى، ممن ساهم في الحروب العربية ndash; الإٍسرائيلية وشارك فيها، من مصاعب خطر من الخطرين الآنفي الذكر.
لكن تعاظم التهديد الفعلي الذي شكله حزب الله لإسرائيل والحديث المتكرر والمتواتر عن تعاظم إمكانات حركة quot;حماسquot; العسكرية في قطاع غزة، جعل من اي مغامرة إسرائيلية موضعية باهظة الكلفة، وحمل إسرائيل تالياً على التعامل مع الوضع المتفجر الذي يحيط بها بوصفه وضعاً لم يعد يحتمل العمليات الموضعية، التي لم تعد مجدية اصلاً. وبات التفكير الإسرائيلي منصباً في درجة أولى على معالجة المرض الذي يصيبها من جذوره، اي التعامل مع إيران وسوريا على نحو مباشر، حرباً وسلماً.
شمولية الحرب في واقع الأمر هي قرار اسرائيلي، وهذا يصرف النظر عن التحليلات التي خرج بها موالون للنظام السوري والتي تفيد ان التصريحات الحربية السورية غير المسبوقة إنما تمت بسبب تغير في موازين القوى لمصلحة سوريا، أي ان سوريا نامت على الحروب طوال هذه العقود في انتظار تحقيق التوازن الاستراتيجي الذي يؤهلها لخوض حرب ناجحة. في هذا الإطار يمكن للمرء ان يسأل، إذا كان ما يقال صحيحاً، فلم كان يموت اللبنانيون والفلسطينيون طوال هذه العقود تحت قصف الطائرات ما دامت سوريا وحين تحين اللحظة المناسبة تستطيع ضرب إسرائيل ضربة لا قيامة لها بعدها؟
على اي حال، لم يعد الوقت مناسباً ولا متسعاً للعتب. ولا لمراجعة الأخطاء. لقد وضعتنا إسرائيل جميعاً على حافة الحرب الشاملة، وبات الخطر يتهدد طهران واصفهان ودمشق وحلب، مثلما يتهدد بيروت وغزة ورام الله.
قد يبدو هذا التطور النوعي في طبيعة الصراع في غير مصلحة الشعبين السوري والإيراني بطبيعة الحال. فتوقع النار والخراب ليس مما تطمح له الشعوب في أي مكان. لكن هذا التطور النوعي قد يكون بمثابة خشبة الخلاص للشعبين اللبناني والفلسطيني. ذلك ان ضخامة الحرب المقبلة تجعل من وقت السلم اللبناني والفلسطيني اطول من دون شك. وأسباب الردع وموارده تكون أكبر بكثير حين يتعلق الأمر بحرب شاملة كالتي يكثر الحديث عنها اليوم.
يبقى ان المنطقة الموعودة بهذه الحرب لم تعد تستطيع النجاة من عقابيلها إلا في حالة واحدة، ان يبادر الطرفان المقرران إلى تحقيق تسوية سياسية بناء على استحالة الحرب او استحالة الانتصار فيها. في مثل هذه الحال، يصير سلاح حزب الله سلاحاً فاعلاً ومؤسساً للمستقبل اللبناني برمته، وتصبح حركة quot;حماسquot; صانع المستقبل الفلسطيني بعدما نجحت منظمة التحرير الفلسطينية من قبل بصناعة الهوية السياسية والنضالية للشعب الفلسطيني.