اجرت اسرائيل مناورات للحرب على اربع جبهات. تقارير اسرائيلية تفيد ان انظمة الصواريخ الأميركية من طراز quot;باتريوتquot; وتلك الإسرائيلية من طراز quot;حيتسquot; اصبحت منتشرة في كافة المناطق لاعتراض الصواريخ من الجبهات كافة. العارفون بخبايا السياسة الإسرائيلية من العرب والإيرانيين، يقولون انها محض مناورة. ومناورة بالزائد او أخرى بالناقص لا تغير في الستاتيكو القائم ولا تبث روح المغامرة او الشجاعة في نفوس الجنود والقادة، فضلاً عن ان الشعب الإسرائيلي ليس مستعداً مرة أخرى لخوض غمار التجربة المرة.
لكنها مناورة حربية. وفي إسرائيل يعرفون انها أيضاً مجرد مناورة. ذلك ان ما يمنع إسرائيل فعلاً عن خوض المغامرة، هو القرار الأميركي. من دون قرار أميركي بالدعم والمساندة او حتى المشاركة لن يكون ثمة حرب، مهما حاولت إسرائيل ان تقرع طبولها. مع ذلك يرى القادة في إسرائيل ان المناورة ضرورية وان الاستعداد لمثل هذه الاحتمالات ملح وغير قابل للتأجيل. ذلك ان اللحظة السياسية قد تحين في اي وقت، ويتخذ القرار. والحال، نحن أمام حرب مؤجلة. لكنها حرب مؤكدة. الأميركيون يقولون انهم يريدون انجاز ملفات سياسية قبل الشروع بالحرب. الإسرائيليون في ظل حكم نتانياهو وليبرمان ويشاي، يعتقدون ان زمن الدبلوماسية قد انتهى، وان الوقت وقت حروب. لا شيء يريدون تقديمه في اللحظة الراهنة، ولا شيء يريدون استكماله على اي نحو. فبالنسبة لهؤلاء يجدر بالولايات المتحدة الاميركية ان تطلق شرارة الحرب، ولتتم المفاوضات اعتماداً على نتائجها.
ليس خافياً ان التباين بين الموقفين الإسرائيلي والأميركي يفيد الموقف الفلسطيني والعربي ايما فائدة. لكنها فائدة محفوفة بمخاطر جمة. ذلك ان ما تسرب من مواقف أميركية، سواء على ألسنة القادة السياسيين، من اوباما إلى بايدن فكلينتون، او على ألسنة القادة العسكريين، يدل من دون ادنى شك على رغبة اميركية بإنهاء مفاعيل الصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي وتالياً العربي ndash; الإسرائيلي، ليتفرغ الأميركي لملفات أخرى يقع الملف الإيراني في رأس قائمتها. هذا يفترض ان اي تسوية مقبلة ستستند إلى موازين القوى السياسية والعسكرية والأخلاقية على حد سواء.
في نهاية المطاف يدرك الإسرائيليون ان صبر اميركا سينفد، وان الضغط الأميركي الحقيقي قادم لا محالة. وهو ما يعرفه نتانياهو وليبرمان وسائر القادة الإسرائيليين. فهؤلاء جميعاً لم يتخرجوا من نوادي الهواة. وعليه يعرف ليبرمان ان لبوثه في وزارة الخارجية بات متعلقاً بروزنامة الضغط الأميركية لهذا يريد ان يحقق ما يمكنه تحقيقه من مطالب داخلية تقوي موقعه في اي انتخابات مقبلة، ويعرف نتانياهو انه مقبل على تشكيل ائتلاف واسع من الاحزاب الثلاثة الكبرى، كاديما والعمل وليكود، في وقت ما قريب. لهذا لا يتردد في فرض امر واقع استيطاناً وتهديداً بالاستيطان، لتصبح هذه كلها جزءاً من الملفات التي سيجد الفلسطينيون انفسهم مجبرين على وضعها في رأس قائمة المطالب في اي مفاوضات جدية مقبلة.
ليس خافياً ان الإسرائيليين يديرون لعبة فرض امر واقع على الولايات المتحدة والفلسطينيين على حد سواء. والأرجح ان هذا الوقت المستقطع بين اللوم الأميركي ومباشرة الضغط يلعب في صالحهم أكثر مما يلعب في مصلحة العرب والفلسطينيين. ولو حدث ان وجدت إسرائيل الذريعة المناسبة للمباشرة في حربها الكبرى، فإنها من دون شك، ستستثمر فلسطينياً وعربياً على نتائجها. وهي نتائج تكاد تبدو محسومة سلفاً من قبل ان تنشب الحرب.
تريد اسرائيل ان تقع الحرب اليوم قبل الغد. لأنها تستطيع في هذه اللحظة ان تستثمر الدم الأميركي سياسياً وعلى الأرض من دون ان تدفع اكلافاً كبيرة. ذلك ان حرباً قد تقع في اللحظة الراهنة ستجعل اسرائيل المنتصر الوحيد فيها، وقد تحقق فيها اهدافها الكبرى من دون ان تدفع ثمن تحقيق هذه الأهداف. اي حرب في هذه اللحظة السياسية تعني تورطاً عسكرياً اميركياً في الجبهات كافة، وانتصاراً سياسياً إسرائيلياً على الجبهات نفسها. ربما يجدر بالمتحمسين لتسخين الدم الفلسطيني في غزة والضفة الغربية ان يراجعوا افكارهم قبل الشروع في فتح حنفية الدم الفلسطيني لتروي الطموح الإسرائيلي وتحقق احلام نتانياهو وليبرمان.