قبل بضعة شهور ارسل القنصل العام الإسرائيلي في بوسطن نداف تامير بكتاب توصيات إلى وزارة الخارجية في إسرائيل يوصي فيه الحكومة الإسرائيلية بالتعاون الوثيق مع إدارة اوباما. بعد بضعة ايام على نشر كتاب التوصيات هذا كاملاً في الصحف الإسرائيلية أُحضر تامير إلى مكتب وزير الخارجية الإسرائيلية وتم توبيخه علناً. منذ بضعة ايام، هاتفت وزيرة الخارحية الأميركية رئيس الحكومة الإسرائيلية ووبخته توبيخاً قاسياً، على خلفية تزامن الإعلان عن خطط إسرائيلية لبناء 1600 وحدة سكنية جديدة مع زيارة نائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل.
يقولون في إسرائيل ان الأزمة الحالية تشبه في عمقها وشدتها بين الدولتين الأزمة التي حصلت في العام 1975، يوم هددت إدارة الرئيس جيرالد فورد بإعادة النظر في اولوياتها في الشرق الأوسط، على خلفية تعثر مفاوضات وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر المتعلقة باتفاقية الفصل الثانية في سيناء. يومها قال كيسنجر قولته الشهيرة: لا سياسة خارجية في إسرائيل.. هناك سياسة داخلية.
اليوم تستعاد هذه المقولة في الاوساط الإسرائيلية بقوة. ثمة بين صناع الرأي العام هناك من يحذر من اعتبار الإئتلاف الحكومي مع حركة شاس الدينية اهم من تحالف إسرائيل مع الولايات المتحدة الاميركية. وهذا قد يعني إفشالاً إسرائيلياً، لأسباب محض داخلية تتعلق بحسابات انتخابية بحت، للمسعى الأميركي نحو إحراز تقدم ملموس في عملية السلام مع الفلسطينيين من جهة اولى ومع سائر الدول العربية على نحو أعم.
صحيح ان هذه الأزمة بين الطرفين غير مسبوقة، لكن قدرة الأطراف العربية المعنية على استغلالها تبدو معدومة استناداً إلى المعطيات الراهنة. في وسعنا ان نصرف النظر عن مصر التي تعيش اليوم في اليوم الذي يعقب نهاية ولاية الرئيس الحالي، وفي وسعنا ان لا نلتفت للمخاوف الخليجية من تمدد إيراني في داخل الخليج على الشاكلة التي اختبرها العالم العربي في لبنان وفلسطين، ويمكننا ان نحسن الظن بالسلطة الفلسطينية فنفترض انها قادرة على الصمود من دون منجزات على الأرض إلى ما بعد الخضوع الإسرائيل التام للمشيئة الأميركية. لكن ما لا يسعنا غض الطرف عنه يقع في المكان غير المنتظر تماماً. أي في محور المقاومة والممانعة لإسرائيل وأميركا في المنطقة. فلو حدث ان انهارت انظمة الاعتدال العربية تحت وطأة اضطرارها للانتظار سواء في فلسطين او خارجها ستجد الإدارة الاميركية نفسها مرغمة على الخضوع لمشيئة إسرائيل في ما يتعلق بسياساتها في الشرق الأوسط. وهذا يفترض دعماً غير محدود للجموح الإسرائيلي لا يطاول جيران إسرائيل فحسب بل قد يمتد ليشمل المنطقة بأسرها ويعيث في المنطقة خراباً يصعب بعده ان يتحدث المرء عن عودة للاستقرار. والحق ان الحديث عن تريث اميركي في الموافقة على ضربة اسرائيلية لإيران سببه مراهنة أميركية على دور اساسي لدول الاعتدال العربية. ذلك ان باراك اوباما اعلن خطته للسلام في الشرق الأوسط من القاهرة وليس من تل أبيب، في إشارة واضحة إلى دور الشريك العربي في عملية السلام. وهذا مما اثار يومها مخاوف وهواجس لدى قادة إسرائيل الذين رأوا في هذه اللفتة الأميركية تبدلاً في نقاط ارتكاز السياسة الأميركية في الشرق الأوسط لا يقع في مصلحة إسرائيل.
ليس خافياً ان محور الممانعة في المنطقة يعمل على خطين متوازيين: خط مقاومة إسرائيل وخط مقاومة المراهنين على دور أميركي في الحل. لذا لا يكف هؤلاء عن مطابقة السياستين مطابقة تامة واعتبار ما يجري من خلافات علنية بينهما مسرحيات لا تقدم في حقائق الامور او تؤخر. وهذا ما يغذي في إسرائيل اعتقاداً مستعاداً بأن الحروب التي خاضتها إسرائيل ضد غزة ولبنان في السنوات الاخيرة أدت إلى تأمين حدود إسرائيل تأميناً شاملاً. لكنها اخلت بحدود الدول العربية جميعاً من مصر التي تحاكم اليوم خلية حزب الله، إلى الأردن الذي يحاول طرد أشباح التطرف من شوارعه، وصولاً إلى العراق الذي يدعي قادة سوريا وإيران أنهم صانعو حكوماته وانتخاباته.