السيد أنور رجا مصر على اتهام عقاب صقر النائب اللبناني وعضو كتلة لبنان اولاً بالتنسيق الأمني مع المجموعة التي افتعلت الإشكال الأمني في مراكز الجبهة الشعبية ndash; القيادة العامة. السيد أنور رجا، لديه معلوماته، إنما أيضاً والأهم من المعلومات التي يجهر أنها بحورزته فهو لديه دوافعه. على أي حال، ليس ثمة عاقل اليوم في لبنان ومحيطه، لا يعرف ان الجبهة الشعبية ndash;القيادة العامة، التي ينتمي إليها االسيد رجا قد أصبحت جبهة دوافع ولم تعد منذ زمن طويل جبهة نضال. والجبهة نفسها لا تكف عن التصريح والجهر بهذا الأمر، فالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات قابل للمقايضة بالحقوق المدنية للفلسطينيين خارج وداخل المخيمات. إذاً من قال ان سلاح السيد أنور رجا يخضع للمعايير نفسها التي اوردها العقيد ابو موسى في تعليقه الشهير من على باب رئيس بلدية صيدا. ثم عاد وتراجع عنه ليقف في صف السيد رجا ايضاً. هذا السلاح إذاً وبحسب منطق السيد رجا هو سلاح ابتزاز: حسنوا اوضاع الفلسطينيين نكفيكم شره. إن لا، سيبقى شره ماثلاً ونحن نقرر متى يصبح شراً مستطيراً ومتى يبقى شراً كامناً.
من نافل القول ان الدولة اللبنانية بأبنيتها كافة أخطأت خطيئة لا تغتفر حن اذعنت منذ 1982 وحتى اليوم على الأقل، لموجبات أقليمية قضت بإخراج احوال الفلسطينيين في لبنان من النقاش الداخلي وتركه في عهدة القوى الخارجية. ومن نافل القول، ان السياسات التي رعت اهمال الفلسطينيين في لبنان هذا الزمن المديد والصمت عن معاناتهم الصعبة في المخيمات وخارجها، بحجج ومن دون حجج، كان ضرباً من التخلي اللبناني، وإن غصباً وقهراً، عن الحقوق اللبنانية التي لا تقبل النقض، في إقامة علاقات دبلوماسية وسياسية صحية وطبيعية مع الشعب الفلسطيني ومؤسساته. لكن هذا الخطأ لا يبرر انتقال البندقية من حيز النضال إلى حيز الابتزاز.
هذا من وجه اول. لكن للقضية ايضاً وجوه أخرى وطبقات كثيرة. ويجدر بمن يعملون في المجالات الأمنية ان يدققوا ويردوا على ادعاءات السيد أنور رجا. ويجدر بالمجتع السياسي اللبناني ان يسأل نفسه سؤالاً بديهياً. ما هي صفة السيد رجا الرسمية في لبنان حتى يستطيع اعتقال لبنانيين والتحقيق معهم، مهما كان السبب وجيهاً؟ وتالياً اتهام نائب، بناء على تحقيقات أجراها ضباط الجبهة بأنه وراء الإشكال الأمني، بالتنسيق مع جهاز أمني رسمي. لكن السياسة الللبنانية لا تحب الأسئلة وهذا هو بيت القصيد.
والحق ان سامع السيد رجا لا بد وأنه سيضحك في سره حين يسمع اتهامه. ذلك أنه يتهم نائب عرف عنه أنه سياسي ناطق. بل ويأخذ عليه البعض انه يكثر من النطق ويسرف في الكلام. ان يتهم السيد رجا سياسياً لبنانياً مصر على الكلام ومسرف فيه، والإسراف في هذا المجال ليس مذمة، بأنه رجل أمن يخطط وينفذ في العتمة، لهو أمر يعصى على التصديق. ذلك ان اللبنانيين هم خير من يعرف، بسبب خبرتهم الطويلة ومعاناتهم الصابرة، ان النشاط الأمني في لبنان صنو الصمت، وأن نقيض الأمن ومعترضه هو الكلام.
رجل الأمن في لبنان لا يتكلم. غالباً يترك الآخرين يتكلمون عنه. والحق ان السيد عقاب صقر هو من مواليد مرحلة أخرى في لبنان. مرحلة ظن فيها بعض اللبنانيين، والأرجح ان ظنهم خاب، ان الأوان قد آن في لبنان لإحداث تغيير جذري في ادوات النقاش السياسي في لبنان. حيث كان الاغتيال والخطف والتغييب طوال زمن هو أداة النقاش الأكثر تداولاً مع اللبنانيين. السيد عقاب صقر في السياسة من مواليد حقبة قدمت الحجة على كاتم الصوت، بل وواجهت الموت بالكلمة. وحدث ان خسرت الكلمة كثيراً وصمدت طويلاً. لكن الثابت ان المتكلمين لم يغيروا اسلحتهم، وما زال عقاب صقر متكلماً.
بين عماد مغنية وعقاب صقر ثمة فارق يجدر بنا ملاحظته. مغنية كان رجل أمن ممتاز، لنقل انه اهم اساتذتنا في هذا المجال. ولأنه أستاذ ومعلم، لم يكن يلق بالاً لما يقال عنه. البعض اتهمه بأنه سبب مصائب الكون كله، وبعضهم يجزم انه وجد في مكانين مختلفين في اللحظة نفسها. لكن مغنية لم ينف ولم يعلق. بقي صامتاً، او لنقل انه عبر عن مواقفه بطريقة أخرى. عقاب صقر رجل سياسة، لم يترك مناسبة ولا منبراً إلا وحاول التعبير عن رأيه من خلاله. وأحياناً كانت تغلبه فكرته فينحاز إليها، رغم أنه كان يعرف انه يخاطر وهو ينحاز لفكرته بخسارة جماع دوره المستند أصلاً إلى قدرته على إقامة الحجة والمقارعة بها. والحال، لم يترك صقر شأناً نافلاً في البلد إلا وأدلى برأي فيه. إلى حد أنه بات مكشوفاً تماماً، لأن الكلام كشاف والرأي فضاح. ومن كانت هذه حاله وهذا دأبه، لا يعود قادراً، لوجستياً على اللعب بالأمن. ذلك ان من كان مثل عقاب صقر، لا يلعب بالأمن، وقد يلعب الأمن معه، بوصفه هدفاً سهلاً من أهداف الأمنيين.
في خلاصة المقارنة، يبدو عقاب صقر هو نقيض عماد مغنية. لكن الرجلان يتشابهان في أنهما وفيان لوسائلهما في التعبير، ولم يعرف عن أي منهما انه تجاوز حدوده. لأن من كانت هذه حاله يعرف جيداً ان تجاوز الحدود ليس أقل من مقامرة بالنفس والقضية.
- آخر تحديث :
التعليقات