السجال الحاد السوري ndash; الإسرائيلي ملأ صحف لبنان وفضاءه التلفزيوني. وأعاد السجال الداخلي اللبناني إلى لحظة متوترة سابقة، ظن البعض أنها لن تعود لتطل برأسها مجدداً. هذا في لبنان مفهوم وغير مستهجن. بعض دهاقنة الصحافة والسياسة اللبنانيين لم يتورعوا عن الإعلان بأن الموقف السوري وحده جعل إسرائيل تتراجع وأقلق حساباتها جميعاً. وهذا من دون شك ضرب من التملق اللبناني لسياسة سورية عرف عنها حسن التخلص من أعباء أي مواجهة مع العدو الإسرائيلي طوال عقود. وكان بعض اللبنانيين والعرب يأخذون على السياسة السورية انها تحارب بدم غيرها، وانها تنتصر على جثث غيرها. هذا السلوك السوري التاريخي في ما يتعلق بالصراع العربي ndash; الإسرائيلي هو ما دفع بعض اللبنانيين ايضاً إلى التخوف من النظرة السورية إلى لبنان بوصفه ليس أكثر من مساحة وممر وحقل تجارب. لذلك لم يستغرب احد ان تصدر اصوات لبنانية تعترض على تصريح الرئيس السوري بشار الأسد لصحيفة quot;النيويوركرquot; حول ما اعتبره هشاشة مركونة في أصل بنية النظام اللبناني، مما يجعل ركوب اللبنانيين مركب الحروب الاهلية الخشن سهلاً عليهم.
مع ذلك، وبصرف النظر عن الخصوصية اللبنانية في العلاقة مع سوريا، إلا أن تصريحات الرئيس الأسد ووزير الخارجية السوري السيد وليد المعلم، لها ما بعدها. أقله هذا ما يوحي به السلوك السوري. والحق ان السيد المعلم هدد بالحرب والاستعداد لخوضها، إذا ما اعتدت إسرائيل على جنوب لبنان او على سوريا، لكنه أضاف ان سوريا طالبة سلام، وانها تريد الارض التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، إذا ما ارادت إسرائيل منها توقيع معاهدة سلام. الجدي في الإعلان السوري، ان سوريا اليوم تدرك لأسباب لا تحصى ان الحرب بالواسطة لم تعد طوع بنانها. والأرجح ان الدبلوماسية السورية تعرف ان اي انتصار او صمود مشرف يحققه حزب الله في معركة موضعية ضد الجيش الإسرائيلي لن يكون قابلاً للصرف سورياً لأنه سيكون تعريفاً وفحوى منتوجاً إيرانياً صرفاً. والحال تجد الدبلوماسية السورية نفسها أمام احتمال من اثنين: إما المشاركة في الحرب إذا حصلت، ولو كانت حرباً تريدها إسرائيل محدودة الرقعة الجغرافية والاستهدافات، وإما خسارة تلك الحرب بصرف النظر عن الطرف الرابح فيها. لأن سوريا ليوم لم تعد تستطيع تجيير نصر إيراني لمصلحتها ما لم تكن مشاركة في تحقيقه. سوريا اليوم على ما يظهر تريد الدخول لاعباً اساسياً على خط الصراع مع إسرائيل. بمعنى انها شريكة في الحرب وفي السلام. والحق ان هذا الدخول السوري إلى حقل الحرب هو دخول محمود من كل المناحي. فالنظام السوري حين يدخل الحرب فإنما يدخلها لتحسين موازين القوى التي تتيح له تحقيق تسوية عادلة وشاملة، على عكس ما يعلنه أهل المقاومات الذين يريدون القتال حتى زوال إسرائيل من الوجود وهزيمة اميركا النهائية. مثل هذه الحرب التي يذيلها الرئيس بشار الأسد برغبته في رؤية اميركا قوية ومتقدمة لأنه من دون أميركا قوية ومتقدمة قد يهتز العالم. تعني ان النظام السوري يريد حرباً وسيشارك في حرب لها استهدافات سياسية مباشرة، وليست حرباً حتى قيام الساعة. على مثل هذه الحروب يمكن التأسيس سياسياً من دون شك. إذ لطالما كانت السياسة تلعب في هذا الحد الفاصل بين السلم والحرب. وبهذا المعنى فإن احتمال دخول سوريا الحرب المقبلة قد يجعل من هذه الحرب حرباً لها مستقبل. أما وأن الدبلوماسية السورية قد باشرت الدخول في هذا المنحى الذي عبر عنه الرئيس الأسد ووزير الخارجية المعلم، فمن أقل الواجب على العرب جميعاً حشد طاقاتهم خلفها إذا ما نشبت الحرب فعلاً.