بعض ما جاء في خطبة امين عام حزب الله في مهرجان دعم المقاومة الذي جرت أعماله في بيروت مؤخراً لا يعدو كونه تحصيلاً حاصلاً: تأكيد على ثوابت ومبادئ وتوجهات، تعبئة تحريضية تشد من عصب من تراخى عصبه وتفيد في تمتين عصب من لم يتراخ اصلاً، وتذكير متكرر بأصل المشكلة ومكمن العقدة في ما يخص العلاقة مع العدو الإسرائيلي. وجاء في الخطبة نفسها ايضاً ما يمكن اعتباره استكمالاً لموقف سياسي، خصوصاً في ما يتعلق بالملاحظات القاسية التي أبداها الأمين العام حول الجدار الفولاذي الذي تبنيه السلطة المصرية على طول حدودها مع قطاع غزة.
كثيرون أيضاً رأوا في لهجة السيد نصرالله تصعيداً واضحاً يختلف اختلافاً بيناً عما جاء على لسان شريكه في أزمان التصعيد، الرجل الأول في حركة quot;حماسquot; خالد مشعل. القائد الحمساوي تنكب في هذا المؤتمر جانب المداخلة المرنة. واطلق مواقف يمكن التأسيس عليها من كل جانب، سواء في ما يخص العلاقة الحمساوية مع الحكومة المصرية او في ما يخص علاقات quot;حماسquot; العربية عموماً وخصوصاً مع المملكة العربية السعودية وسوريا، وأخيراً والأهم في ما يتعلق بعلاقة quot;حماسquot; المتوترة بحركة quot;فتحquot; التي يقودها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
البعض ارجع هذا الاختلاف في النبرة بين الرجلين إلى الاختلاف الذي اصاب المرجعيات التي يواليها كلا الرجلين. فمشعل أعلن من الرياض ان مرجعيته عربية صرف، وان حركته لا تريد ولا تهدف إلى استبدال الدور المصري ndash; العربي بدور آخر، مع أنها ترحب بأي دور مساعد، وان العلاقة مع إيران هي علاقة بين طرف يناضل لتحقيق أهدافه في الاستقلال والتحرر من قبضة احتلال غاشم، ودولة تدعم بالمال والعتاد هذا الطرف. لا أكثر ولا أقل. من جهته لا يكف السيد حسن نصرالله عن التصريح بأن مرجعه الأول والأهم هو الولي الفقيه، وان حزبه إنما يقاتل تحت رايته. والحق ان ما كان يجمع بين الرجلين في التاريخ القريب ويجعل خطابيهما متشابهين في النبرة والموقف، لم يكن غير العلاقة المميزة التي تربط كلا منهما بالإدارة السورية. إذ لطالما قيل ان حزب الله يخدم سيدين: سوريا وإيران، ولم يكن خافياً على احد ان دمشق تستضيف قيادة حركة quot;حماسquot;: في السياسة وفي التحرك. وتالياً لم يكن لقادة هذا الحركة قدرة على مخاصمة التوجه السوري والاعتراض عليه من دون ان يؤثر ذلك على حرية حركة هؤلاء.
حزب الله من ناحيته، يملك هامشاً أكبر في التحرك، على المستويات كافة، فهو حزب يملك ثقلاً معنوياً هائلاً يحول دون محاولة اي طرف، حتى لو كان طرفاً اساسياً في الحل والربط الشرق اوسطيين، باستهدافه على نحو مباشر. ثم أن الحزب يعمل وينشط في لبنان، حيث لم يعد في وسع الإدارة السورية ان تستهدفه بضغط مباشر. والحال، ليس ثمة ما يمنع الحزب من الميلان نحو جهة من الجهتين اللتين كان يخدمهما إذا ما برز خلاف في التوجه بين الجهتين.
على مثل هذه التحليلات يحلو لبعض المراقبين قراءة التوجهات السورية الحالية، خصوصاً وهم يراقبون الحماسة السورية المنقطعة النظير في التبشير بدور تركي حاسم وراجح في المنطقة بل وفي العالم. ويكاد المرء يقع في الحيرة حين يلاحظ كم الكتابات والتحليلات التي استفاقت فجأة على عظمة تركيا ودورها الحاسم في المنطقة والعالم، في حين ان تركيا كانت على الدوام بالقرب منا ولم يولها أحد اهتماماً او يدعي أنها صاحبة دور مقرر في أزمة الشرق الأوسط مثلما يقال عن دورها اليوم.
الأرجح أن شيئاً من هذا كله لم يحصل فعلاً. لم يتغير الدور التركي، ولم تكتسب تركيا قوة هائلة بين ليلة وضحاها. وهذا أمر مفروغ منه. كذلك فإن الله لم يقذف نوراً في صدر قادة حركة quot;حماسquot; فجأة ليعتدلوا في ما يتعلق بصراعهم مع اخوتهم في quot;فتحquot;، فيصبح الرئيس عباس فجأة ممثل اساسي للشعب الفلسطينيي، بعدما كان بالنسبة للحركة جاسوساً أحياناً، ومفرطاً بالحقوق في اوقات كثيرة، ورئيساً غير شرعي في كل الأوقات. جل ما حصل ان إيران اليوم ترقص رقصتها الأخيرة، وبعدها ستجد نفسها أمام خيار من اثنين، إما المواجهة وإما الإذعان، بصرف النظر عن المدة الزمنية التي تستغرقها الرقصة.
اللاعب السوري الذي يجيد وراثة الأدوار منذ عبد الناصر إلى ميشيل عفلق وبعث العراق، وصولاً إلى فلسطين وحركة فتح التي رعت دمشق انقساماتها، إلى حزب الله وحركة أمل في لبنان وحركة حماس في فلسطين، هذا اللاعب يعرف ان المشهد الذي تؤديه إيران هو المشهد الاخير، لذلك هو يبحث عن بدائل يعيد تقديمها على خشبة المسرح، وقد تكون المسلسلات التركية المدبلجة باللهجة الشامية بداية الغيث السياسي الذي سينهمر فجأة على المشرق العربي برعاية سورية. حزب الله الذي اعلن مداخلة متصلبة في مهرجان المقاومة هو وجه العملة التي تسكها الإدارة السورية هذه الأيام، أما مداخلة مشعل المرنة فهي وجهها الآخر.