ما من شك ان المعارضة الإصلاحية الإيرانية اثبتت انها قادرة على الصمود ولا يمكن كسرها بسهولة. وما من شك أيضاً ان السلطات الإيرانية الحاكمة تواجه رأياً عاماً دولياً يدين القمع الذي تمارسه في حق المتظاهرين. في المقابل تعتقد السلطة الحاكمة ان جموع المتظاهرين ينفذون مخططات دولية لقلب نظام الحكم في إيران. وبرغم تهافت هذه الحجة، إلا انها ما زالت تفعل فعلها في إيران وفي أكثر من مكان. لكن فاعلية هذا الاتهام لا ينفي تهافتها، ذلك انه من الجنون الإدعاء بأن جزءاً كبيراً من الشعب المعترض على نظام الحكم هم مجرد جواسيس ينفذون مخططات اجنبية. مع أن المرء لن يجد سبباً للشك في أن المعارضة الإيرانية تعترض على السياسة الرسمية جملة وتفصيلاً. وبكلام آخر فإنها لو قيض لها ان تحكم، فإنها ستغير وجهة السياسة الإيرانية برمتها.
يحق للسلطة الحاكمة في إيران ان تغضب هذا الغضب كله على المعارضة الإصلاحية. ذلك ان هذه السلطة حققت نجاحات في سياساتها الخارجية بالمعنى الذي تريده للنجاح. فإيران اليوم لاعب دولي قوي، والمسائل المتعلقة بها تناقش في كل مكان، وتكاد تكون الدولة الوحيدة التي تملأ بصخبها الدنيا وتشغل ناسها. ولا يلغي هذه الواقعة ان السياسة الإيرانية هي محض مقامرة في السلام العالمي، ووضع العالم برمته على حافة حرب مدمرة لا أحد يستطيع التكهن بنتائجها الكارثية، ليس لجهة من سيربح ومن سيخسر الحرب، بل لجهة الخسارة التي ستحف بالعالم كله في كل الأحوال فيما لو حصلت هذه الحرب. لكن اللاعب الإيراني المجازف استطاع من دون شك ان يتحول لاعباً اساسياً من اللاعبين الدوليين. وبصرف النظر عن قدرة النظام على الصمود من عدمها، فإن السلوك الإيراني على مدى السنوات الماضية بات سلوكاً مقلداًً في أكثر من مكان من العالم. ذلك ان إيران لا تطمح إلى تحقيق توازن استراتيجي مع خصومها، يمنعهم من شن الحروب عليها. لكنها من جهة ثانية تستطيع ان تبتز العالم في أمنه. وحيث ان الحروب مكلفة إلى الدرجة التي تجعل اي دولة تفكر مرات قبل الدخول في أتونها، فإن إيران تستطيع والحال هذه ان تبتز العالم في نقطة ضعفه هذه بامتياز.
لسان حال القادة الإيرانيين يقول التالي: نحن لا نخشى الحروب، وعلى اتم الاستعداد للتضحية بالنفوس والمهج في اي حرب قد تشن علينا. وهذه الفكرة بالذات هي التي تجعل إيران قوية خارج حدودها وضعيفة في الداخل. ذلك ان المعارضة لا ترى، وهذا بعض من حقوقها المشروعة، ان من حق السلطة الحاكمة ارسال الإيرانيين إلى الموت غصباً عنهم، او جلب الموت والدمار إليهم. وفي هذا الاعتراض الحاسم ما يجعل السلطة الإيرانية فاقدة لأهم مقومات قوتها التي استعملتها حتى آخر قطرة في السنوات الأخيرة. إذ لطالما كان مصدر القوة الإيراني متعلقاً بقدرة إيران ايديولوجياً على دفع الناس إلى الموت من أجل حماية النظام او مصالحه، وهؤلاء يذهبون إلى موتهم طائعين مختارين. لذلك يبدو خروج المعارضة الإيرانية على هذه المسلمة يصيب السلطة الإيرانية في مقتل مزدوج. فمن جهة أولى لا تستطيع السلطة الإيرانية ان ترسل الناس إلى الموت او تدفعهم لتقبل مروره عليهم، ومن جهة ثانية لا تستطيع المغالاة في تمويتهم وقتلهم في الشوارع. ومع استمرار المعارضة في احتجاجها يظهر جلياً ان إيران في صدد فقدان نقطة تفوقها على خصمها وعدوها. هذا لأن التحليلات الإيرانية والمتحالفة معها اسرفت كثيراً في الاعتماد على الرأي العام في الدول الغربية الذي يرفض ارسال ابناءتلك الدول إلى الحروب ما لم تكن الحروب شراًُ لا مفر منه. وحين يصبح الإيرانيون انفسهم يفضلون الموت برصاص الباسيج على قارعات الطرق الإيرانية على الموت في حروب محتملة مع دول آخرى، تكون إيران قد فقدت قدرتها على القتال تماماً، وفقدت ميزاتها كلاعب أساسي حصل على امتيازاته كافة بالابتزاز الذي يقول: اقتلونا فنحن لا نخشى الموت، لكن دمنا سيهز عروشكم.