بصرف النظر عن الحجج الآيلة إلى السقوط دائماً، واللهجات المهددة والمتوعدة، وتلك التي تستنجد بالمنطق والقانون. فإن ثمة معادلة يطرحها بعض الصحافيين ورجال السياسة الموالين لقوى 8 آذار على الرئيس سعد الدين الحريري لا محيد عنها وقوامها الآتي: تجنباً لفتنة داخلية او حرب لا تبقي ولا تذر، على الرئيس الحريري ان يعلن ان المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مسيسة أكثر من اللازم، وانها لا تتوخى تطبيق العدالة وكشف الحقيقة في جريمة قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه. في هذه الحال، ينجو البلد، بحسب هؤلاء الصحافيين والسياسيين، من فتنة لا راد لها، في اكثر التقديرات غلواً، او من لجوء حزب الله إلى إحكام سيطرته الأمنية والعسكرية على البلد برمته، وطرد من يريد طرده من البلد، وتغيير المعادلة السياسية والطائفية التي ارستها الانتخابات الأخيرة، في شقيها البلدي والاختياري والنيابي.
السيناريو الحربي ndash; الاهلي الذي يجاهر هؤلاء بالنية في تطبيقه وإعلانه، له منطقه الخاص بطبيعة الحال. إذ ان صدور قرار اتهام ظني من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان يوجه أصابع الاتهام إلى حزب الله او بعض كوادره، او حتى إلى بعض الضباط السوريين الذين كانوا يعملون وينشطون في لبنان قبل حصول الجريمة، يعني، وعلى نحو لا لبس فيه، ان ثمة قطيعة حصلت بين طائفتين اساسيتين. وحيث ان الطائفة الشيعية التي يقودها حزب الله بناسها وأهاليها، تتخوف أيضاً، عن حق، من حرب إسرائيلية مقبلة، وتعد العدة لتحصين مواقعها الدفاعية والهجومية على حد سواء. فإن صدور قرار اتهامي مماثل عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان سيعطل اي إمكان لتمتين الجبهة الداخلية اللبنانية في مؤازرة حزب الله، وسيجعل من الطائفة الشيعية بمناطق تواجدها وسكناها، وهي المناطق التي ينشط فيها حزب الله، وحيدة في مواجهة ماكينة تهجير وقتل إسرائيلية عاتية. ومعدومة الحظوظ في تضامن وطني مع مآسيها ومشكلاتها التي قد تنجم عن أي حرب مقبلة. وتالياً وفي حال تحقق هذا السيناريو على النحو الذي يلهج به موالو حزب الله والمدافعون عنه من الساسة والصحافيين، فقد يكون من أولى نتائجه البالغة الخطورة، حشر حزب الله المقاوم في زاوية الطائفة الضيقة التي يصدر عنها، ومنع اي تضامن معه. وهذا امر لا يجدر بأحد الاستهانة به في الحروب. ذلك ان الاجتياح الإسرائيلي للبنان واحتلال بيروت في العام 1982، لم يكن ليحقق هزيمة قاطعة وبالغة الوضوح لقوى المقاومة المتمثلة بالمقاومة الفلسطينية يومذاك وحليفتها الحركة الوطنية اللبنانية، لو لم يسبقه اشتباكات مسلحة بين هذه القوى ومقاتلي حركة امل الشيعية في معظم قرى الجنوب والبقاع الشمالي يومذاك. مما فرغ الأرض التي كانت تعمل فيها تلك المقاومة من العنصر الأهم في الحروب، ألا وهو الدفاع عن الأرض وومناوشة العدو في بيئة صديقة.
لهذا لا يرى هؤلاء بداً من استصدار براءة ذمة من صاحب العلاقة، وهو في هذه الحال الرئيس سعد الدين الحريري، بوصفه ابن الفقيد الشهيد واكثر زعماء الطائفة السنية شعبية ووزناً في وقت واحد.
وما لم يتحقق هذا المطلب العسير، فإن السيناريو المقترح هو محاولة ضبط الميدان الخلفي للمقاومة بقوة السلاح والأمن والتخوين، طرداً وقتلاً وتهديداً ووعيداً. والحال، يقترح هؤلاء الساسة والصحافيون على فريق 14 آذار خياراً وحيداً لا بديل له: الإذعان التام والكامل غير المشروط طوعاً أوكرهاً.
في واحدة من تجلياته النادرة، اعلن السيد وئام وهاب دعمه الكامل للنائب وليد جنبلاط في مساره الراهن. ذلك انه بحسب السيد وهاب، فإن مسار السيد وليد جنبلاط هو مسار تجنيب الدروز، طائفة ومناطق، الوقوع في موقع من يحارب في حروب اهلية بالنيابة عن طوائف أخرى. وعليه لم يلبث السيد ابراهيم الأمين وهو صحافي لا يتورع عن التهديد والوعيد بسلاح حزب الله، بأن ادعى ان جنبلاط انقلب على 14 آذار على نحو ما، لكنه لم يصبح 8 آذار ولا يصح القول انه اصبح في عداد زعمائها.