لا يمر اسبوع على الصحافة اللبنانية والعربية إلا وتصدّر صفحاتها بتقارير تفيد عن احتمال وقوع حرب في غزة او بين لبنان وإسرائيل، قد تتدخل فيها سوريا، بحسب مزاعم حزب الله، وثمة من يقول: رغبته التي قد لا تكون رغبة سورية، وقد تتدخل فيها إيران، إذا تعرض البلدان لهجوم بأسلحة غير تقليدية، على ما تقول المزاعم نفسها.
بصرف النظر عن جور هذا المعادلة، حيث الرابح السياسي فيها، والذي يتمثل بإيران، هو الأقل عرضة للخطر، فيما اللاعبون الثانويون فيها، معرضون للدمار والخسارة الفادحة مقابل مكاسب ضئيلة. إلا أن الثابت انه وبناء على التموضع السياسي الراهن فإن هذه الحرب لا بد وستقع في يوم من الأيام. والحق ان النقاش الجدي قد يكون مفيداً ومجدياً في تحديد زمنها.
في إسرائيل، يجزم المحللون والقادة العسكريون، ان القيادة الإسرائيلية هي من يتخذ قرار الحرب، على مر تاريخ الحروب بين العرب وإسرائيل. رغم ان تاريخ هذه الحروب يثبت ان الأمور لم تكن دائماً على هذه الصورة، أقله في حرب تشرين العام 1973. إلا ان المعادلة قد تكون صحيحة في الإجمال، ويعزز من صحتها سيل التصريحات السورية واللبنانية والفلسطينية والإيرانية على حد سواء. وحيث ان قرار الحرب والسلم ما زال في حوزة الإسرائيلي، فإن مراقبة اسباب اشتعالها على هذه الجهة قد يكون أمراً عظيم الفائدة. وفي هذا المجال، ثمة من يقول ان احد خيارات نتانياهو الممكنة يتلخص في توريط العالم اجمع بحرب ضد إيران لن يسمح العالم فيها بهزيمة إسرائيل. لكن ما يجعل هذا الخيار مستحيلاً على نتانياهو يتمثل بانقسام المجتمع السياسي الإسرائيلي حيال خياراته. ذلك ان الاتجاه العام في إسرائيل يوافق على حرب قاسية يكون من نتائجها خسائر لا يستهان بها على المستويات الإسرائيلية كافة، إذا تيقن، اي المجتمع السياسي الإسرائيلي، ان هذه الحرب ستكون الأخيرة. لذلك لا يخلو يوم في إسرائيل من دعوات ملحة إلى الخروج من عنق الزجاجة، إما على المسار السوري او على المسار الفلسطيني. والتقدم الفعلي على اي من المسارين يحقق لإسرائيل تقدماً ملحوظاً نحو خوض حرب أخيرة. ذلك ان اتفاق سلام مع سوريا، قد يجعل الجبهة التي قد تشتعل في مواجهة إسرائيل فاقدة لخط إمدادها الحيوي. أما ولو حدث ان حصل اتفاق سلام مع الفلسطينيين، فإن ذلك من شأنه ان يطلق يد الإدراة الأميركية بفاعلية في المنطقة. ذلك ان تاريخ التدخلات الأميركية الحاسمة في المنطقة مثلما حدث في افغانستان او في حربي العراق، يتصل اتصالاً مباشراً بتحقيق انجازات سياسية ملحوظة. والحال، ليس خافياً على الملمين بشؤون الشرق الأوسط في الإدارة الأميركية ان ما يمنع فتيل الحرب من الاشتعال، ليس انضباط حزب الله في تنفيذ مندرجات القرار 1701، ولا انضباط سوريا او إيران، بل انتظاراً أميركياً لتحقيق انجاز سياسي في ملف الصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي، لا يبدو ان ثمة ما سيحول دون حصوله في نهاية المطاف إلا مسارعة إسرائيلية لترتيب اتفاق سلام مع سوريا يعاد يموجبها الجولان كاملاً إلى السيادة السورية.
على هذا في وسع القلقين الطمأنينة إلى حد ما. لن تحصل الحرب ما دام الاتفاق الفلسطيني ndash; الإسرائيلي لم يوقع بالحروف الأولى. وما دامت إسرائيل لم تبادر بعد إلى الخروج من مأزقها الأميركي بتحقيق انجاز سلمي على الجبهة السورية. وهذا مما تدركه سوريا جيداً وتعرف تفاصيله، والأرجح ان الإدارة السورية تنتظر تحولاً دراماتيكياً في السلوك الإسرائيلي في الأجل القريب.
إنما ورغم ان الحرب مستحيلة إسرائيلياً في هذه اللحظة، وهذا مما يدعو إلى الإطمئنان. فلا شيء يمنع المتخوفين من النظر بتمعن في احوال السياسة الإيرانية في المنطقة. والحق ان الفتيل اليوم وحتى إشعارآخر موجود في اليد الإيرانية. ويجدر بالمراقبين والمتخوفين مراقبة الجهة الأخرى من الحدود إذا كان ثمة من يجزم ان الحرب قادمة.