تتصاعد الدعوات الإسرائيلية، خصوصاً في المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، إلى المباشرة بمفاوضات مثمرة مع سوريا. وذلك تزامناً مع المباشرة بالمفاوضات الفلسطينية ndash; الإسرائيلية بناء على الرغبة الأميركية واستجابة للضغط الأميركي على المؤسسة السياسية في إسرائيل. الإسرائيليون على يقين من مسألتين على الأقل. هم يعرفون جيداً ان حظوظهم في الصمود أمام ضغط أميركي تكاد تكون معدومة. وهذا ما جعل حكومة نتانياهو تذعن على غير رغبة منها لمطالب الأميركيين على هذا المستوى. وهم يعرفون أيضاً ان قرار الحرب والسلم ليس في يدهم ولا في يد الذين باشروا معهم المفاوضات بناء على الرغبة الاميركية. فقرار الحرب مملوك لجهتين حصراً. الأميركيون من جهة اولى والإيرانيون من جهة ثانية. وتالياً يشعر الإسرائيليون، الأمنيون والعسكريون منهم خصوصاً، ان النجاح في الوصول إلى نتائج مثمرة في المفاوضات الجارية، لن يؤدي في مطلق الأحوال إلى استبعاد شبح الحرب او الحؤول دون حصولها. إذ لو حدث ان قررت إيران او أميركا المباشرة بالحرب فليس ثمة ما يحول دون تورط إسرائيل فيها على نحو يكثر الإسرائيليون من تكرار مخاطره وصعوباته. والحال، لا مفر من الشعور إسرائيلياً بأن المفاوضات مع السلطة الفلسطينية هي مثابة تقطيع للوقت قبل الحرب، أقله بالنسبة للإسرائيليين انفسهم. ذلك ان حرباً جديدة في المنطقة لن تكون حرباً إسرائيلية الأهداف. إذ حين تقود الولايات المتحدة الاميركية حربها، فهي لن تسمح قطعاً حتى لأقرب حلفائها باستثمار نتائجها، او تحديد اهدافها وغاياتها. ومن الجهة الأخرى لم تعد إسرائيل هدفاً للحرب المقبلة التي قد تلجأ إيران لإشعالها. ويمكن القول ان السياسة الإيرانية في السنوات الأخيرة التي اعقبت الاجتياح الاميركي للعراق نجحت في تحويل إسرائيل ومعظم الدول العربية إلى مجرد ميدان وساحة لهذه الحروب. وبمعنى آخر، فإن إسرائيل اليوم تقع تحت التهديد سياسياً وهذا بصرف النظر عن إمكاناتها العسكرية الهائلة. وبصرف النظر عن نتيجة الحرب او من سيكون الفائز فيها ومن سيخسرها. ذلك ان السياسة في الشرق الأوسط اليوم تدور في مرحلة ما قبل الحرب. ولهذه الحرب عنوانان وطرفان: الملف النووي الإيراني والخطة الاميركية حيال الشرق الأوسط، وتحت اي مؤدى لأي من هذين العنوانين، تجد إسرائيل نفسها طرفاً معرضاً للتهديد، حيال ملفات لا تملك حيالها اي سلطة تخولها التفرد باتخاذ القرار، وجعل حربها او سلمها حاجة وطنية محلية تأخذ في اعتبارها مصلحة إسرائيل كدولة في المقام الأول.
إسرائيل اليوم تنتظر شمولها كدولة ذات مصالح في الخطة الاميركية العامة، لذلك لا يكف المسؤولون الاميركيون عن التصريح بمناسبة وغير مناسبة انهم ملتزمون التزاماً قاطعاً بأمن إسرائيل. وهذا يعني بلا لبس ولا تدليس اميركيين، أن اميركا لن تسمح لإيران باللعب والمناورة في هذا الموضوع. مما يعني ان اي مناوشة قد تلجأ إليها ايران او اذرعتها في المنطقة قد تعني بالنسبة لاميركا اعلان حرب مفتوحة ستكون الولايات المتحدة الاميركية اول المتورطين فيها. لكن الالتزام الأميركي المطلق بأمن إسرائيل يعني من جهة ثانية، ان ليس ثمة التزاماً أميركياً بتحقيق الأهداف الإسرائيلية على المستوى الإسرائيلي الضيق.
خلاصة ما يجري من مناورات سياسية في هذه الفترة الفاصلة بين انفجارين، يعني ان اوان السياسات المحلية والوطنية فات المنطقة برمتها. وان قضايا دول المنطقة جميعاً تقع اليوم في رأس سلم الاولويات للدول الكبرى والمجتمع الدولي. وهذا اهتمام مفرط لا يؤدي في العادة إلا إلى انفجارات هائلة لا تملك اي من دول المنطقة القدرة على التحكم بمسارتها. وليست إسرائيل اليوم اكبر من غيرها من الدول.