الممانعون الذين يتحدرون من بقايا اليسار العربي وحركاته القومية يحبون التفتيش عن الأصابع الإسرائيلية في كل مكان. من سرب شريط الفيديو الذي يصور المذبحة التي ذهب ضحيتها 8 مدنيين في العراق؟ طبعاً إسرائيل، بحسب هؤلاء الممانعين. وذلك للضغط على إدارة الرائيس الأميركي ولجم اندفاعته الضاغطة على حكومة نتانياهو. من يعارض قانون الضمان الصحي ويبني العقبة تلو العقبة في مواجهة اوباما؟ ايضاً فتش عن الأصابع الإسرائيلية. ومن حرض حاكمة اريزونا على اتخاذ قرار إشكالي يسمح للبوليس الأريزوني بتوقيف اي شخص لا يبدو اميركي السحنة وسؤاله عن اوراقه من دون ان يكون هذا الشخص قد خالف القانون بما يوجب توقيفه؟ ايضاً ثمة من يقول انها إسرائيل او اللوبي اليهودي الداعم لإسرائيل.
الممانعون المتحدرون من بقايا اليسار وحركاته القومية، يقيسون افكارهم ويبنون معتقداتهم على اساس ما يدور في الغرف السرية، ومقار العمليات الحربية والأمنية. لا أحد يستطيع ان يكذبهم ولا أحد يستطيع تصديقهم. قد يكون لإسرائيل يد في كل هذا، وقد لا يكون. وليس ثمة في متناول اي كان ان يقطع الشك باليقين. لكن سلوك هؤلاء الممانعين وتشديدهم على ملاحقة الأصابع الإسرائيلية المتآمرة في اميركا والغرب، والتي تحاول قلب الحقائق وحرف الأنظار، ينم عن رأي خفي بأميركا وسياساتها وإداراتها يؤدي إلى معنيين متعالقين. الأول يفيد ان ليس ثمة في أميركا سياسة خاصة، وانها مجرد قوة هائلة بحت، تحركها ايد خفية تحترف نشر الشائعات. فثمة دائماً إسرائيلي خبيث يسر في إذن الوحش الاميركي بأن العرب والمسلمين هم اعداء على طول الخط، فيتحرك الوحش الأميركي ليضرب في كل مكان. والثاني يفترض انه لو تيسر لهذا الوحش لسان عربي يسر في أذنه الثانية ان العرب مسالمين ويحبون أميركا وان إسرائيل هي المعتدية وهي المحرض عليهم، لتحول الوحش الاميركي إلى ضرب إسرائيل ومعاقبتها.
وفي الحالين لا يرى الممانعون هؤلاء اي استقلالية اميركية من اي نوع. هي قوة بحت، ويستفيد من مواردها وقوتها من يجيد الإسرار في اذنها.
مع ذلك يعترض الممانعون هؤلاء ويصرخون بأعلى اصواتهم كل يوم وازاء كل حدث بالإعلان الذي لا يقبل اي مناقشة: أميركا لا تفهمنا. اميركا لا تريد ان تفهمنا. والمعتدلون من بينهم يحسبون انهم لو شكلوا لوبياً ضاغطاً على الإدارة الأميركية بغية انحيازها إلى القضية العربية، فقد ينجحون في الاستفادة من قوة هذا الوحش وجعلها تخدم مصلحتهم.
والحق ان الناظر إلى الأسباب التي تمنع تشكل لوبي عربي من هذا النوع يدرك ان السبب الرئيسي لهذه الاستحالة يتعلق بالعرب انفسهم. حيث انهم لا يعرفون ما الذي يريدونه بالضبط.. العرب انفسهم غير متفقين على ما يريدون، لذلك يمتنع عليهم تشكيل مثل هذا اللوبي الضاغط. ذلك انه يندر ان يكمل رجل عربي تعليمه او يحوز ثروة معتبرة في المهاجر خصوصاً، إلا وتأخذه الحمية والحماسة، فيرشح نفسه لرئاسة جمهورية بلده، او يفترض انه يستطيع تغيير العالم إذا عمم على العالم سيرته الشخصية.
الممانعون العرب يتساءلون في سرهم، لماذا لا تفهمنا اميركا؟ والمتنورون منهم يجزمون ان الأميركيين لا يفهمون ما يجري في المنطقة ولا يعرفون تعليلاً مقنعاً لأسبابه. لكن هؤلاء لا يسألون انفسهم ولو مرة واحدة: هل يفهمون اميركا وهل يعرفون ما الذي يحرك سياساتها وكيف تنظر إلى مصالحها؟ وإذا سألوا فهل لديهم أي إجابة غير التصريح الممل والمقيت الذي يقول: انه اللوبي اليهودي يخدع اميركا الجاهلة والغبية، ويحرضها ضدنا؟