علينا ان نستبشر خيراً بنجاح الوساطة البرازيلية ndash; التركية مع إيران. هذا النجاح يجنب المنطقة أخطاراً داهمة ويؤجل أخطاراً أخرى. لكننا في لبنان يجب ان نحذر. ذلك ان البلد في معنى من المعاني اصبح منذ وقف النار في الثاني عشر من آب مت العام 2006، مرهوناً لحرب مدمرة، بصرف النظر عن نتائج الوساطات مع إيران في ما يخص ملفها النووي وطموحاتها الإقليمية. ذلك ان تسوية سياسية ما للملف الإيراني، تقتضي بمعنى من المعاني ملاحظة دور إيران وتأثيرها في جوارها البعيد والقريب. لكن هذه التسوية، التي تطمح إيران اولاً لإجازتها أميركياً، تعني في المقلب الآخر ان ثمة دولاً أخرى في المنطقة تملك من الوزن ما يؤهلها للتأثير في محيطها. ولنسلم جدلاً ان نجاح هذه الوساطة سيتوالى فصولاً إلى حد تحديد مناطق النفوذ لكل قوة إقليمية في المنطقة، فما هو نصيب لبنان منها؟
من نافل القول ان تسوية سياسية في المنطقة قابلة للاستقرار والاستمرار سلتحظ من دون شك تأثيراً مصرياً في الملف الفلسطيني، وفي غزة أكثر من غيرها. ذلك ان مصر ليست دولة معدومة الموارد والقدرات، ولن ترضى حكماً بنفوذ إيراني على حدودها المتداخلة مع غزة، كذلك لن ترضى المملكة العربية السعودية بنفوذ إيراني في إمارة من إمارات الخليج، لأنها أيضاً ليست أقل قوة من إيران، سواء كانت نووية ام غير نووية. والحال أننا في لبنان وفي حال التسوية هذه لن ننجو من أطماع إسرائيلية تريد أن تنفذ من حدود إسرائيل الشمالية، هذا وليست سوريا غائبة او قاعدة عن سعي مماثل. والحال، ثمة في سلاح حزب الله المدافع عنه صبحاً وعشية ملمحاً بدأً يأخذ طريقه إلى النور. إذ مرة أخرى علينا تحديد هوية هذا السلاح، وليس فقط تحديد عدوه. فإذا كان عدو هذا السلاح معرفاً وهو إسرائيل، فإن هويته ما زالت مثار لبس سياسي، وإن كانت واضحة على مستوى التمويل والخطاب والعقيدة. إذاً ثمة صراع سيخاض على هذا السلاح، هذه المرة، قد يكون إسرائيلياً وقد يكون غير إسرائيلي. وثمة سلوك إيراني في ما يخص هذا السلاح ستتضح معالمه في الشهور المقبلة. فإما يقرر التخلي مقابل التسليم له بالنفوذ في جواره، وإما يقرر المواجهة المدروسة بما يجعل هذا السلاح هدفاً لحروب متنقلة وقاسية.
في مسألة ترتيب المجاورة في المنطقة بين البيوت المتناحرة، لا يبدو مثل هذا الثمن مرتفعاً. لكنه بالنسبة للبنان قد يكون معادلاً لبقائه من عدمه. ذلك ان سلاح حزب الله من جهة أولى بات سلاحاً اكبر من لبنان نفسه، وهو من جهة ثانية في حال التسوية يصبح سلاحاً ناتئاً لا بد من تقليم مخالبه. وحيث ان تقليم المخالب هذا قد لا يتم بهدوء ومن دون ضجيج بالضرورة، فإن لبنان يبدو والحال هذه مقبلاً على حرب مدمرة، في وقت تجنح فيه المنطقة كلها إلى السلم او عقد التسويات.
من حظ لبنان، انه في الحرب منذور للدمار وفي التسوية منذور للغرق. ومن حظ اللبنانيين السيء انهم هم انفسهم البحر والغريق في الوقت نفسه. فهل ثمة أرض تتسع لهم بعد؟