إنها الذكرى العاشرة للتحرير. لبنان اليوم اقوى مما كان عليه. ولبنان اليوم أضعف من أي وقت مضى. عشية الذكرى كان لبنان مشغولاً بانتخاباته البلدية والاختيارية، في حين كانت إسرائيل مهمومة بتنفيذ مناوراتها العسكرية الضخمة (تحول 4). يمكن القول ببساطة ان لبنان اليوم اكثر اطمئناناً حيال احتمال شن إسرائيل عدوان جديد على لبنان، في حين تبدو إسرائيل الطرف الأكثر قلقاً من انفجار ما على جهة او أكثر من الجهات القلقة التي تحدها. ايهود باراك، يبدي قلقاً امام مدير المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان، من احتمال تحول الضفة الغربية إلى غزة ثانية او جنوب لبنان، في حال الوصول إلى اتفاق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. ذلك ان مرمى النظر الإسرائيلي يدرك يوماً بعد يوم ان المنطقة ما زالت تنظر إلى دولة إسرائيل بوصفها جسماً غريباً وممرضاً ينبغي استئصاله. خاضت إسرائيل حروباً عديدة وكل مرة كانت تريد من حربها ان تكون حرباً اخيرة. على الأقل حرباً تلغي استعدادات الحرب لدى الطرف الآخر. لكنها كلما انهت حرباً منتصرة او مهزومة او بين بين، وجدت نفسها تستعد لحرب مقبلة.
لبنان في هذا المعنى هو مصدر القلق الإسرائيلي الأول، والأرجح ان وقوعه في هذا الموقع يدفع بالدول والشعوب والنخب في الدول العربية وبعض الدول الإسلامية إلى توخي العدوى منه. لكن لبنان نفسه الذي يشكل مصدر القلق الإسرائيلي الأول ليس بألف خير، وقد يكون وقوعه في هذا الموقع هو السبب في أنه ليس بخير. ذلك ان مثل هذا الاستعداد الحثيث لحرب مقبلة، يحمّل البلد الصغير ما لا طاقة له على حمله. ورغم ان تخلص لبنان من هذا العبء الكبير الذي يثقل كاهله لن يتم بسحر ساحر، إلا أن هذا الثقل سيترك آثاره الخطيرة على مستقبل لبنان سواء حصلت تسوية ما شاملة وعادلة للصراع العربي الإسرائيلي او لم تحصل. ذلك ن البلد او بعضه على الأقل موقوف في الاقتصاد والازدهار والثقافة والاجتماع لموجبات الاستعداد للمعركة المقبلة. وهي معركة يعرف اللبنانيون والإسرائيليون ايضاً انها لن تكون سهلة على الإطلاق.
الرئيس اللبناني ميشال سليمان يعتبر ان حمى التدريبات والتسلح الإسرائيلي التي تقابلها حمى الجهوزية لدى المقاومة في لبنان، هي ما يمنع إسرائيل من الاعتداء على لبنان. لكن الرئيس سليمان يعرف ايضاً مثلما يعرف الجميع ان حمى الجهوزية هي ايضاً ما يجعل اسرائيل ترى ان الحرب مقبلة لا مفر منها. حسب تعبير ايهود باراك الواضح: كل حرب تخوضها إسرائيل تؤدي إلى فترة هدوء يجب ان لا يستهان بها، لكنها ايضاً فترة استعداد لحرب مقبلة. والأرجح ان كل حرب تجب سابقاتها، عنفاً وقتلاً وتخريباً. ذلك ان كل طرف من الأطراف يريد ان يلقن عدوه درساً اقسى من الدرس السابق. في حرب إسرائيل الاخيرة على لبنان، تبادل الطرفان تلقي الدروس وتلقينها. النصر الذي حققه حزب الله كان نصراً مؤلماً وموجعاً للبنان، لكنه أيضا كان مؤلماً لإسرائيل بما لا يقبل الجدل والشك. وإذ يرى البعض ان إسرائيل لا تستطيع ان تتحمل هذا الكم من الألم بعد، ولذلك هي تحجم عن الدخول في مغامرة جديدة، فإن السؤال اللبناني الذي لا يُسأل أبداً هو التالي: إلى اي حد يستطيع لبنان احتمال الألم؟
في الذكرى العاشرة للتحرير، ما زال لبنان يتلقى المساعدات العربية والإيرانية لإعمار ما هدمته الحرب، وما زال بعضه مهدماً. ذلك ان البناء يقوم حجراً فحجراً لكن الهدم يتم دفعة واحدة. المشكلة ان البلد الذي لقن إسرائيل درساً قاسياً وجعلها أقرب ما تكون إلى اليقين من استحالة الاستيلاء عليه، لم يتعلم من ألمه الدروس التي يجب ان يتعلمها. وفي مقدمها بل اساسها، ان واجب المقاومات الأول ان تسعى لإلحاق اكبر قدر من الخسائر في جهة العدو واقل قدر من الخسائر في جهتها.
حرر لبنان أرضه، وعاد وانتصر في حرب العام 2006. ثمة سؤال ينبغي ان يطرح علناً: كم نصراً مثل هذا النصر في وسع لبنان ان يتحمل؟