اثر صدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، سارع المحللون السوريون والموالون لهم في لبنان إلى القول والتكرار ان هذا القرار سيوضع على الرف، لأنه قرار يستحيل تطبيقه. كانت الحجة الأهم في هذا المجال، ان نزع سلاح حزب الله والفصائل الفلسطينية المتحالفة مع سوريا، بحسب منطوق القرار، يحتاج جهداً سورياً استثنائياً وفي مجالات عدة، من السياسة إلى الأمن فالحروب. وحيث ان القرار يطالب سوريا ايضاً بسجب جيشها من لبنان، فهو قد يكون قراراً منطقياً من حيث المبدأ لكنه مستحيل من حيث التطبيق.
لكن القرار وجد طريقه إلى التنفيذ، واستطاع الهجوم الدولي يومذاك ان يخرج الجيش السوري من لبنان على عجل.
بعدها بعام ونيف، شاع بين السياسيين الإيرانيين والسوريين وقادة حزب الله وحلفاء سوريا في لبنان تحليلات تفيد ان حكومة ايهود اولمرت عاجزة عن الحرب، بسبب افتقاد اولمرت ووزير دفاعه عمير بيريتس إلى اي خلفية عسكرية، وان آخر ملوك إسرائيل، على ما يصف السيد حسن نصرالله اريئيل شارون، اصبح في الغيبوبة. لهذا فإن الفرصة سانحة لحزب الله ودول الممانعة، لتحقيق بعض الأذى الأمني والنصر السياسي الموضعي. اقدم حزب الله على تنفيذ عملية خطف الجنديين قرب بلدة عيتا الشعب في الثاني عشر من تموز ndash; يوليو من العام 2006، وفتحت إسرائيل ابواب الجحيم، وكان ان خاض اولمرت وبيريتس الحرب ونظرا لها بمنظار لم تنزع منه واقيات العدسات.
بعد انتهاء الأعمال العسكرية وصدور القرار الدولي 1701، أعلن السيد حسن نصرالله، أمين عام حزب الله في مقابلة لقناة الجزيرة القطرية، انه لو كان يعلم بحجم رد الفعل لما أقدم على خطف الجنديين.
تحضيراً للانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان، وبعد حوادث ايار ndash; مايو العام 2008، وفي أثرها، كثرت التحليلات التي تقول ان قوى 14 آذار ndash; مارس باتت هشة وضعيفة. وان ربح المعارضة اللبنانية التي يقودها حزب الله في تلك الانتخابات شبه مضمون. مع ذلك حصلت الانتخابات وتفاجأ حزب الله بالنتائج.
في الشهور الأخيرة، كثرت التحليلات التي تشبه تلك الآنفة الذكر من حيث مدى قصورها.
خرج امين عام حزب الله على اللبنانيين في اكثر من مناسبة ليعلن انه ينتظر ان تثمر الجهود السعودية ndash; السورية الغاءً للقرار الظني المزمع صدوره متهماً عناصر من حزب الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري. خاض الحزب مواجهات ودفع البلد إلى حافة الفتنة، لكنه اكتشف في النهاية، ان القرارات الدولية ليست قابلة للإلغاء، وان القوى الدولية التي تتربص به اصلاً لن تفرط بهذا الكنز الثمين كرمى لعيون اللبنانيين وأمنهم وسلمهم الأهلي.
منذ اسابيع قليلة، صرح نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم، ان الرئيس الحريري بما يملك من علاقات دولية يستطيع الغاء المحكمة الدولية. وعليه رتب حزب الله ضغطاً هائلاً قارب حد وصول البلد إلى حال الشلل التام الذي يسبق الانهيار الكبير، توخياً لإذعان الرئيس سعد الحريري. وأيضاً اكتشف قادة حزب الله متأخرين، ان الرئيس سعد الحريري ليس ولا يستطيع ان يكون اكثر من رئيس حكومة لبنان. وأنه تالياً ليس خروتشوف عصره، الذي يستطيع مقارعة العالم بصواريخه وجيوشه وأحزابه المنتشرة في كل مكان، وليس رونالد ريغان الذي احتل النجوم وجعلها ميداناً جديداً للحرب مع الاتحاد السوفياتي السابق. وأيضاً تعرض البلد بسبب هذا التقدير المفرط في سذاجته إلى شتى انواع التوتير والتهديد والتعطيل.
والحال، لم تسفر هذه التقديرات التي اثبتت بطلانها وفسادها إلا عن تحويل لبنان من بلد انتصر على اسرائيل في العام 2000، وحقق انسحاباً إسرائيلياً غير مشروط بأي شرط من مجمل أراضيه، إلى بلد لا ماء ولا كهرباء فيه، والأدهى من هذا كله، أنه بات فاقداً لمعظم مكونات شرعيته الدولية والعربية، إلى حد بات معه ميداناً مفتوحاً لكل من يريد ان يجرب فيه مغامراته السياسية والأمنية.
ربما يجدر بحزب الله وقوى الممانعة ان تنشئ فرقاً متخصصة لقراءة ارشيفها السياسي، على غرار فرق الاستخبارات واجهزة الأمن وبروباغندا الإعلام التي لا تذكر اليوم ما قيل يوم أمس.