لم اكن اتصور يوماً... ما.. أن أرى نفسي على متن طائرة وأنا أطير عالياً في السماء ولم اكن قد شاهدت المطارات من قبل إلاعند دخولي لمطار مدينة السليمانية في كردستان العراق يوم الاحد المصادف 11/10/2009 وصعودي للطائرة للمرة الاولى متوجهاً الى العاصمة السورية (دمشق) بغية المشاركة في مهرجان المتنبي للشعر العالمي المقام في (سويسرا) وقد زاملني في رحلتي الاولى هذه صديقي الكاتب والاعلامي الاخ (مجيد زنكنة) حيث التقينا في المطار عن طريق الصدفة.


المشهد الاول:- دمشق
كان في اسقبالنا في مقر مكتب العلاقات للاتحاد الوطني الكردستاني في سوريا الكاتب والصحفي المخضرم الاخ (صلاح برواري) حيث عاد بنا الزمن وتحدثنا عن ذكرياتنا مع (محمد الماغوط) و(ممدوح عدوان) و (مظفر النواب) ولقاءاتنا بهم في مقهى البرازيل ومقهى هافانا ونادي الصحفيين بدمشق.


المشهد الثاني:- مطار دمشق الدولي:
قبل مغادرتنا لمكتب العلاقات الى مطار دمشق الدولي هاتفنا الدكتور (علي الشلاه) المدير العام للمركز الثقافي العربي في سويسرا من (زيورخ) إنه كلف الشاعر العراقي الاستاذ (يحيى السماوي) لكي يزاملني في مطار دمشق وان يكون عوناً لي لكوني لا تجربة لي بمعاملات المطار، وفعلاً كان عوناً ميدانياً وعملياً لي لتكملة المعاملات الرسمية لجواز سفري، حيث اخذ بيدي من شعبة الى شعبة وكان حريصاً جداً على سلامتي حيث كنت بين الحين والاخرى انسى حقيبتي اليدوية في مكان ما، في اروقة المطار وهو الذي يحملها ويعيدها لي محذراً بأن لا اضع الحقيبة في اي مكان خوفاً من سرقتها، واخيراً بعد ان يأس من تنبيهاته لي علق الحقيبة على عنقي وقال لي منفعلاً:quot; يا اخي انت تشبه (زوربا) وتتصرف مثلهquot;.


المشهد الثالث:
في الساعة الثالثة صباحاً كنا داخل احدى الطائرات التابعة للخطوط الجوية الجيكية متوجهين من دمشق الى العاصمة (براغ)، وبعد اكثر من اربع ساعات وصلنا الى مطار (براغ) الدولي، وفي اروقة المطار اخذ الاستاذ السماوي بذراعي بشدة لكي لا أضيع منه لتكملة معاملات جواز السفر وفي غفلة منه دخلت احد مطاعم المطار، وكان التعب قد أخذ مني كل طاقتي، وعند خروجي من المطعم، رأيت الاستاذ يحيى شارداً ومنفعلاً متقطع الانفاس وقال لي: (وينك انت يا اخي) وقد اعلن عن بدء الرحلة الى (زيورخ وانت ماكو).


المشهد الرابع- سويسرا- زيورخ- الساعة الحادية عشر صباحاً
فور وصولنا الى مطار زيورخ كان الاخ الدكتور علي الشلاه في استقبالنا وبدأ الاستاذ يحى السماوي قائلاً: ها قد وصلت (زوربا) اليكم سالماًquot;، كما وبدأ باالشكوى مني الى الدكتور علي الشلاه وما لاقاه من اشكالات خلال مزاملته لي في هذه الرحلة من دمشق الى مطار براغ والى زيورخ.

الانطباع الاول:
فور دخولي لكافترايا فندق (TIVOLI) في ( زيورخ) لفتت انتباهي الفتيات الجميلات العاملات في الفندق وعلى شفاهم ابتسامات عريضة، بحيث نسيت نفسي وبادرت بالتدخين تعبيراً عن فرحي بهذا الجو الجميل، عندها اقتربت مني احدى العاملات الجميلات وعلى شفيتها ابتسامة سحرية (IVO،NO) وطلبت بأدب جم مني الخروج الى خارج الفندق للتدخين.


ومن المفارقات حول التدخين ايضاً بعد مكوثنا اكثر من اسبوع في الفندق المذكور وباليوم الاخير وعند مغادرتنا قال لي الدكتور علي الشلاه وهو واقف امام ادارة الفندق: كاك فريد واخيراً دفعنا غرامة تدخينك (200) فرنك ما يعادل (200) دولار، وذلك غرامة لتدخيني بغرفتي الخاصة الذي كان ممنوعاً حسب تعليمات الفندق.


الانطباع الثاني:
المعروف عني في كردستان العراق أنني لا اشارك في الندوات والقراءات الشعرية منذ ما يقارب الـ (20) عشرين عاماً رغم كثرة الدعوات التي تكاد ان تكون شهرياً من قبل الاتحادات والمنظمات الادبية والمدنية، وقد حولت تلك الندوات الى معارض شعرية، حيث افتتحت في السليمانية اكثر من عشرة معارض شعرية سنوية و بمشاركة العشرات من الشعراء الكرد بمناسبة (يوم الشعر العالمي) المصادف لـ 21/3 من كل سنة وتحت اشرافي المباشر، والجدير بالذكر ان المنظمة العالمية للثقافة والفنون (اليونسكو) قررت في عام (2000) تسمية يوم 21/3 من كل سنة (عيداً للشعر العالمي)، حيث يتصادف هذا التأريخ مع العيد القومي الكردي (عيد نوروز) بعد هذا الفراق الطويل لي مع القراءات الشعرية امام الجمهور انتابني شيء من الخوف الغريزي من الجمهور الحاضر في القاعة في (زيورخ) عندما استدعاني عريف الحفل بألقاء قصيدتي، لانني اعتبر نفسي متهماً كلما اجد نفسي على المنصة والجمهور الحاضر حكام وقضاة قد يحكمون علي حكماً قاسياً، ولحسن حظي كان الضوء على المسرح فقط والحضور في الظلام حيث لم اكن ارى احداً كأنما اقرء القصيدة لوحدي، ولهذا مضيت بقراءة القصائد باللغتين الكردية والعربية دون ارتباك امام الحضور الغارق في الظلام.


الانطباع الثالث- الدكتور علي الشلاه:
هذا الرجل ذو المواصفات القيادية بأمتياز لم اراه يتوقف ولو لدقائق ليلاً ونهاراً وقد قاد وقدم جميع القراءات الشعرية والندوات في الايام الخمس في سويسرا اضافة لقيادته السيارة ليلاً ونهاراً عند تنقلاتنا من اقليم الى آخر وكانت السيارة من نوع (باص متوسط) يجمع جميع الشعراء المشاركين ولهذا سميته بـ(القائد العام للشعر العالمي).

الانطباع الرابع:
عند توجهنا من (جنيف) ليلة 17/18/10/2009 الى بيرن) ويقودنا الدكتور علي الشلاه بسيارته الباص المتوسطة دخلت بمناقشة حول موضوع رواية (الف ليلة وليلة) اصلها وتأريخها مع الاخوة الشعراء (عبد الزهرة زكي) و (يحى السماوي) و(عبد الكريم كاصد) و( عبد الرحمن الطهمازي) و(عريان السيد خلف) والشاعر المصري (ابراهيم المصري) اضافة للدكتور (علي) الذي كان يناقش وهو يقود السيارة ايضاَ والموسيقار العراقي المبدع (احمد المختار) وقد اشرت الى عدة مصادر تأريخية منها الاكثر وضوحاً كتاب (خمس ليال) لبورخس والذي يؤكد في خمس محاضرات ليلية بأن حكايات (الف ليلة وليلة) تعود اكثريتها لـ(الاسكندر المقدوني) الذي كان مصاباً بمرض الارق وكان يطلب من الحكوات ان يرون له الحكايات ليلاً ليتسنى له ان ينام وأخيراً انتهى النقاش وبقي الجدل بيني وبين الشاعر (عبد الزهرة زكي) مستمراً، وقلت له انا اناقشك وفق المصادر التاريخية والثقافية وسألته هل طالعت وقرأت احدى هذه المصادر وبالاخص (بورخس) في كتابه (سبع ليال)؟ جاوبني (كلا لم اقراءه) فقلت اذن لا تناقشني، فضحك الدكتور علي الشلاه ضارباً يداه على مقود السيارة ( احسنت يا (فريد) اليوم لك تنظيرائك وطروحاتك الخاصة) والتفت الي الاخ الشاعر (عبد الكريم كاصد) الذي كان يجلس بجواري داخل الباص وقال لي: (انت فريد تشبه المسيح انا اراك هكذا).


الانطباع الخامس- حسن الضيافة في المركز الثقافي:
الاخوة في ادارة المركز الثقافي العربي السويسري كانوا كخلية النحلة ولهم غرفة عمليات في مقر المركز يخططون ويضعون البرامج ومن ثم الاشراف على ادارة الندوات والقراءات الشعرية اليومية تنظيمياً واعلامياً، ولا انسى انهم نظموا لي المعرض الشخصي التشكيلي السابع في غاليري المركز الثقافي في اقليم ( زيورخ)، حيث وزعوا اللوحات بصورة فنية ملفتة للنظر وبالاخص الاخ العزيز (هادي العبودي- ابو الحسن)، هذا اضافة لحسن الضيافة وبروح عراقية جميلة لكافة الشعراء المشاركين في المهرجان في سويسرا.


الانطباع السادس- الشاعرة الهولندية (سيليفيا):
بعد قراءاتي الشعرية الاولى في (زيورخ) باللغتين الكردية والعربية مترجمة الى اللغة الالمانية، وبعد انتهاء القراءات الشعرية لذلك اليوم التقتني الشاعرة الهولندية (سيليفنا) في القاعة الخارجية، حيث كنت ادخن وقالت لي (برافو) وكانت متعاطفاً معي تعاطفاً شعرياً وكثيراً ما كنا نلتقي في الفندق أو خارج واحياناً كنا نشرب البيرة في قدح واحد أي نتناوب في الشرب في كأس واحد، وكنت اتحدث معها باللغة الانكليزية أي بأنكليزيتي المكسرة أو خلال أحد المترجمين وقد كتبت في سجل الملاحظات أثناء افتتاح معرضي التشكيلي صباح يوم 18/ 10/ 2009.
مايلي مترجمة من اللغة الانكليزية الى اللغة العربية.
quot; شكراً لروعة وجمال هذا الخيالquot;.
quot; ملاحظة ndash; نريد قصائد كثيرة منكم تكون مترجمة الى (الالمانية أو الانكليزيةquot;. quot; سيليفنا 18/10/2009 زيورخquot;
بعدها قالت لي بأنها تريد ان تكتب دراسة عن قصائدي حيث أخذت معها مجموعة من قصائدي المترجمة الى الالمانية.
وبهذه التجربة الجديدة لي في مواجهة الذات خلال سفري ومعايشتي بالمشاركة بمهرجان المتنبي للشعر العالمي في (سويسرا) أضافت اشياءً جديدة الى تجاربي السابقة في مواجهة الذات حيث بدأت بمواجهة ذاتي منذ المراحل الاولى قبل مواجهة الاخرين، كنت صوفياً قبل تعرفي على (الحلاج). وبوذياً قبل تعرفي على (النيرفانا) وتعاليم بوذا وكنت ابحث عن نفسي لكي اعرف نفسي قبل ان اعرف سقراط.


وأخيراً حصلت على لقبين جديدين (زوربا) و(المسيح) من قبل الشاعرين العراقيين (يحى السماوي) و(عبد الكريم كاصد) والجدير بالذكر انها ليست المرة الاولى التي يتم فيه دعوتي الى أوروبا وقد جاءني في السنوات الماضية عدة دعوات الى (بريطانيا) و(روسيا) و(المانيا) اضافة الى القاهرة والجزائر وقد رفضت كل الدعوات الاهذه المرة وبألحاح من قبل الاصدقاء وبالاخص الدكتور (علي الشلاه) مدير عام المركز والذي زارني في السليمانية لنفس الغرض والاخ الشاعر عبد الرحمن الماجدي والاخ الكاتب والصحفي الكردي راوند رسول.


وقد نسيت ان اقول في انطباعي الاخير في اقليم (زيورخ) قد القيت محاضرة ارتجالية عن (الشعر والترجيديا) وانعكاسها في الشعر الكردي، بحضور جميع الشعراء وجمع من النخبة المدعوين للمهرجان وباللغة العربية مترجمة للفة الالمانية، وقد اشرت في تلك المحاضرة الى مأساة الشعب الكردي من قصف مدينة حلبجة الكردية وعمليات الانفال التي راح ضحيتها اكثر من (182) الف انسان كردي وسجن (نكرة السلمان) السيئ الصيت في صحاى الجنوب العراقي، والهجرة المليونية لابناء شعب الكردي عام 1990، ولكون المدة المخصصة لي لالقاء المحاضرة كانت (15) دقيقة وقد طلب مني عدد من الحضور بعد انتهاء جلسة المحاضرات عن (الشعر والتراجيديا) ان اعود اليهم مرة اخرى كي استمر بالمحاضرة بصورة مفصلة وان اتحدث عن مآسي الشعب الكردي.


وفعلاً قدمت محاضرة ثانية بعد المحاضرة الاولى التي كانت رسمية، ومن ضمن فعاليات المهرجان بصورة مطولة، وقد استغربوا من كل هذه المآسي التي واجهها هذا الشعب المضطهد ولم يكن لديهم اي تصور او معلومات عن كارثة حلبجة والانفال والهجرة المليونية، وانهيت المحاضرة بقولي: اللعنة على جميع اللغات وبدون استثناء لو كان العالم يتكلم بلغة واحدة لما واجه الشعب الكردي كل هذه المآسي.


والمحاضرة الثانية والارتجالية ايضاً القيتها باللغة العربية مترجمة الى اللغة الالمانية من قبل الاخ الدكتور (علي الشلاه) عن مستوى الفن التشكيلي الكردي اثناء افتتاح معرضي الشخصي السابع في قاعة المركز الثقافي السويسري في (ريورخ) صباح يوم 18/10/2009 بحضور الشعراء وجمع من الحاضرين، وقد شارك في مهرجان المتنبي للشعر العالمي اكثر من ثلاثين شاعراً عالمياً من مختلف انحاء العالم.