أثناء مشاهدتي لأحد برامج القناة الفرنسية الناطقة باللغة العربية الذي خصصته لمناقشة قضية إرتداء البرقع أو النقاب الذي هو تغطية كامل الوجه من قبل المسلمات في فرنسا.. لفت نظري مصطلح (( الأغتصاب الفكري للمرأة )) الذي أستخدمته الباحثة والفنانة التشكيلية السورية المقيمة في باريس رندا قسيس في ردها على المحاور الآخر العربي المسلم الذي هو أستاذ جامعي - وياللمصيبة - تصوروا شخص بمستوى استاذ في احدى جامعات عاصمة النور باريس كان يدافع عن إرتداء المرأة للبرقع بحجة ان هذا جزء من حريتها الشخصية !

المثير للغرابة ان يتم أستعمال مفاهيم حقوق الأنسان والحرية في الدفاع عن عادات وممارسات خاطئة بعيدة كل البعد عن كرامة الأنسان، فحينما يتم التذرع بأن إرتداء البرقع وتغطية كامل الوجه في باريس وليس في أفغانستان أو باكستان أو ايران أو احدى الدول العربية.. فأن هذه الحجة المتهافتة مغلوطة من الأساس، فالأصل في الحرية هو توفر ارادة الأختيار والرفض بين المواقف والأفعال المختلفة... وعندما يتحجج البعض بأن الحجاب والبرقع هو حرية شخصية ولايجوز المساس بها.. فهل حقا لدى المرأة المحجبة حرية الأرادة في الرفض والأختيار دون التعرض الى الضغوط النفسية والفكرية الداخلية التي زرعت فيها، وقهر واضطهاد المجتمع ورجال الدين؟

فكما هو معروف ان التربية الأسرية والأجتماعية والدينية في المجتمعات الأسلامية تقوم على أسلوب التلقين والإكراه والزجر والتخويف من عقاب المجتمع والعيب والعار ونار جهنم... وبالتالي تجريد الفرد وخصوصا المرأة من الأرادة وحق حرية التفكير والأختيار، وقد وصلت درجة الإرهاب الفكري بين المسلمين الذين يعيشون في أوربا واميركا اللجوء الى سلاح التسقيط الأخلاقي ضد النساء اللائي يرفض إرتداء الحجاب وشن حمل عليهن، وأتهامهن بتهم الأنحلال الأخلاقي والعهر من اجل الضغط عليهن وإجبارهن على الأذعان والخضوع لسلطة القطيع الذي نقل افكاره الظلامية المتخلفة معه الى هذه الدول.

لذا فإن مصطلح الإغتصاب الفكري هو في غاية البلاغة والدقة في توصيف أوضاع المرأة المسلمة، وماتتعرض له من قمع وقهر وأنتهاك لأنسانيتها في كل شيء حتى في أهم قرار مصيري وهو أختيار الزوج اذ يتم - غالبا - إرغامها على الزواج والعيش مع رجل لاتحبه ولاتتوفر فيه أدنى شروط شريك الحياة، فالمرأة في هذه المجتمعات مسلط على رأسها سيف أتهامها بالأستهتار والعهر وتشويه سمعتها في حال قرر ممارسة حقها الأنساني في حرية التفكير والأختيار.

ومايدعو الى السخرية والأستهجان هو أستعارة مفاهيم الحضارة الغربية من قبل التيارات الظلامية الأسلامية في نقد الغرب والأعتراض عليه، فهذه التيارات بأسم مفاهيم حقوق الانسان تحاول الدفاع عن ملاحقة وسجن الإرهابيين القتلة، وتطالب بأطلاق سراهم بينما هي في نفس الوقت تكفر الغرب وتحاربه وتسعى الى تدميره، وايضا في دفاعها عن إرتداء الحجاب والنقاب والبرقع تلجأ الى مفاهيم حقوق الانسان الغربية وتتشدق بها في حينها انها لاتحترم حقوق الانسان ومشاعر سكان هذه البلدان في أوربا واميركا الذين يرفضون أسلمة بلدانهم ورفع الشعارات الدينية - السياسية فيها بواسطة رموز الحجاب وبناء المساجد والمآذن وغيرها.

[email protected]