الخطوات الأولية

يبدو أن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس إقليم كردستان السيد مسعود بارزاني قد بدأ يستعد للإنقلاب على حليفه الإستراتيجي الإتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي السيد جلال طالباني، حيث وردت في الأيام الأخيرة العديد من المؤشرات حول مخطط خفي ينفذه الحزب الديمقراطي بدأه من خلال تحريك تنظيماته الحزبية وسط الجماهير الشعبية للتقليل من شأن الإتحاد الوطني بسبب عجز مرشحيه في نيل المقاعد البرلمانية لمجلس النواب العراقي الذي جرت إنتخاباته قبل فترة، والتي حصل فيها مرشحوا الديمقراطي على معظم المقاعد في محافظتي أربيل ودهوك وهما المعقل الرئيسي للديمقراطي في كردستان.

وقبل أيام بدأت مجلة quot; كولان quot; التابعة لإعلام الديمقراطي بشن هجمة عنيفة على الحكومة التي يرأسها برهم صالح نائب الأمين العام للإتحاد الوطني الكردستاني ووصفتها بحكومة quot; ضعيفةquot; وأداء برهم صالح بـquot; الفاشلquot;.


وقارنت المجلة في تقرير نشرته بين quot; إنجازات quot; الحكومة السابقة برئاسة نيجيرفان بارزاني الرجل الثاني في الحزب الديمقراطي الذي تبوأ رئاسة الحكومة لأثني عشر سنة متواصلة، وبين حكومة صالح التي لم تكمل بعد ستة شهور من عمرها، وإستنتجت المجلة الحزبية من وراء تلك المقارنة فشل الحكومة الحالية في تحقيق مكتسبات وإنجازات مماثلة لحكومة بارزاني.


وبالطبع فإن هيئة تحرير هذه المجلة لم تكن تتجرأ بنشر مثل هذا التقرير من دون صدور توجيهات عليا من قيادة الحزب، لسبب بسيط وهو أن القرارات داخل هذا الحزب هي قرارات مركزية، ولا يجوز لأي شخص يعمل في هذا الحزب سواء في القيادات أو التنظيمات أو الإعلام أن يدلي برأي حول قضية سياسية من دون حصول موافقة quot; اللجنة الثلاثيةquot; العليا للحزب التي تتحكم باموره وعلاقاته وتسير شؤونه، وأن تقييم أداء الحكومة هو من إختصاص قيادات الحزبين كما ورد ذلك في بيان المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الذي تنصل عن مسؤوليته في نشر التقرير في المجلة المذكورة، ومشيرا الىquot; أن تقييم أعمال وأداء الحكومة هو من إختصاص قيادة الحزبين يبحثانه داخل إجتماعاتهم وليس على مستوى الإعلامquot; ولكن الذي حدث أن الإعلام التابع للحزب هو الذي تولى إجراء التقييم نيابة عن القيادة، ووصف الحكومة الإتحادية بـquot; الفاشلةquot;.


وأعتقد بأن نشر التقرير بالأساس كان إطلاق بالون إختبار وجس نبض ورد فعل الجهة المقابلة وهي الإتحاد الوطني، وأتوقع أن تليه خطوات أخرى ضمن المخطط المرسوم للإطاحة بحكومة برهم صالح، وفعلا وبعد يوم واحد من نشر التقرير صدر تصريح من نيجيرفان بارزاني رئيس الحكومة السابق الذي يطمح الى العودة لرئاسة الحكومة يحمل في لقاء مع جريدة ( روزنامة ) التابعة لحركة التغيير مسؤولية قطع أرزاق بعض الموالين للحركة على عاتق رئيس الحكومة الحالي برهم صالح، رغم أن الرجل سبق وأن أبدى من خلال العديد من تصريحاته رفضه لهذا الاسلوب من المعاقبة السياسية ضد المعارضين، وهناك العديد من الشكاوى معروضة على السيد رئيس الإقليم مسعود بارزاني بهذا الصدد ولكن لم يبادر السيد رئيس الإقليم بمعالجة المشكلة، والهدف من ذلك هو إبقاء هذه المشكلة طوقا على رقبة الحكومة لإحراج الإتحاد الوطني، وإلا كان بإمكان السيد رئيس الإقليم أن يصدر قرارا بوقف فوري لهذه الإجراءأت خصوصا وهو المرجع الأعلى للقرار في كردستان.

لقد إستعاد الإتحاد الوطني إستحقاقه في رئاسة الحكومة بموجب الإتفاقية الإستراتيجية التي وقعها الحزبان قبل خمسة أعوام، بعد أن تنازل طواعية عن هذا الإستحقاق قبل ثلاث سنوات بقرار من الأمين العام الرئيس طالباني، الذي جدد ولاية نيجيرفان بارزاني لسنتين أخريين، وكان من حق الإتحاد الوطني أن يستلم رئاسة الحكومة الحالية للسنتين الباقيتين وفقا لمبدأ تداول السلطة وكونها إستحقاقا ثابتا له وفق الإتفاق الإستراتيجي.


ومن البداية واجه برهم صالح العديد من المشكلات الأساسية التي شلت حكومته، في مقدمتها، مشكلة تقاسم السلطة وإزدواجية القرار التي أصر الحزب الديمقراطي الكردستاني إبقائها على حالها ليستحوذ على نصف ميزانية الإقليم وتقاسم النفوذ السياسي في الإقليم للمحافظة على وضعه. فعلى الرغم من إعلان توحيد حكومة الإقليم قبل خمس سنوات، وآخرها توحيد الوزارات الأربع المتبقية من الحكومة، ولكن طابع الإنقسام وإدارة الحكومة مناصفة بين الحزبين ما زال ساريا وواقعا بإعتراف قيادات الحزبين أنفسهم. وواجه برهم منذ البداية مشكلة إزدواجية السلطة مضطرا الى تقاسمها مع نائبه في الحكومة إزاد برواري عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، حتى أن ميزانية الحكومة بدت بدورها مقسمة على الإدارتين، لأن نائب رئيس الحكومة يتمتع بنفس صلاحيات وسلطة رئيسها، فلم يتغير شيء من إنقسام حكومة الإقليم الى إدارتين واحدة لإدارة شؤون المناطق الواقعة تحت نفوذ الحزب الديمقراطي، والأخرى لإدارة شؤون مناطق الإتحاد الوطني.

وكانت الإنتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت وفقا للقائمة المفتوحة هي القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال، فمع ظهور حركة التغيير بقيادة نوشيروان مصطفى دب الضعف بصفوف الإتحاد الوطني عبر إنتخابات برلمان كردستان، ورغم أن الإتحاد الوطني إستطاع في الإنتخابات البرلمانية لمجلس النواب العراقي أن يستعيد بعض شعبيته في كردستان، بما فيها في معقله الرئيسي السليمانية التي تزاحمه كتلة التغيير فيها، ولكن ظهور نتائج الإنتخابات الأخيرة أصاب قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بنوع من الغرور دفعه الى التفكير بإعادة سيطرته على الحكومة وإخضاعها لمصلحته، ولذلك بدأ الحزب المذكور بإحداث العديد من المشاكل ووضع العراقيل أمام الحكومة الحالية، ولم يكن تقرير مجلة quot; كولانquot; أولها، بل سبقها العديد من المحاولات الأخرى، من أهمها عدم خضوع قيادات الحكومة في المستويات الأدنى من حزب بارزاني لأوامر رئيس الحكومة الإتحادي، وتصرف نائب رئيس الحكومة وهو أحد قياديي الحزب المذكور كأنه يمثل حكومة مستقلة خالصة بحزب بارزاني.وبذلك لن يكون التقرير المنشور في مجلة quot; كولانquot; هو الأخير بل سيتبعه العديد من المحاولات الأخرى من الحزب الديمقراطي لإزعاج برهم صالح أو إفشال برامجه بهدف إسقاط حكومته.