وأنا اتصفح موقع قناة الجزيرة على النت، وجدت خبرا يحمل هذا العنوانquot; هل سويسرا دولة مارقة؟ استغربت في الواقع هذا الخبر التحليلي! الذي أوردته قناة الجزيرة عن وكالة أنباء اخرى، فدعوة زعيم عربي إلى الجهاد ضد سويسرا، قد مر عليها زمن، والطليان كعادتهم، ينافقونه، ويحاولون حل الأزمة بين سويسرا وهذا الزعيم وحلت.

في الحقيقة لم اتوقف كثيرا عند دعوة الزعيم العربي للجهاد ضد سويسرا، لأنها دعوة خلبية، وزوبعة إعلامية لا اكثر ولا أقل، ولكن لو انتبهنا لوجدنا انه في نفس هذا التصريح والدعوة، أدان تنظيم القاعدة والإرهاب، لماذا؟ لأن دعوته تلك يريدها جهادا سلميا.ويبدو للمتابع أن قناة الجزيرة كانت تميل نحو إعطاء الأمر أكثر مما يحتمل، حيث أعجبتها هذه الرمية وليس أدل على ذلك سوى إعادة إثارتها للخبر، وقلت في نفسي، الإعلام أحيانا يريد مادة، فيبحث عنها أو يخلقها أحيانا خاصة إذا كان يمتلك إمكانيات قناة الجزيرة، فإذا كانت سويسرا دولة مارقة، فماذا تكون حال دولة كإسرائيل مثلا؟ وقبل أن أعلق على الخبر ذاته أورده كما هو نقلا عن موقع الجزيرة.نتquot; قال كاتب أميركي معروف إن الحياد الذي ظلت تتميز به سويسرا ردحا من الزمن لم يعد قابلا للتطبيق في عصر صبغته العولمة والاعتماد الاقتصادي المتبادل بطابعها.

وتساءل المؤلف والكاتب الصحفي ستيف كيتمان: هل بالإمكان أن تصبح دولة ما quot;محايدةquot; بالمعنى الجدي للكلمة في عالم تسوده العولمة؟ وأشار في مقال بالعدد الأخير لمجلة quot;سياسة خارجيةquot; إلى أن quot;أسطورة تميز سويسراquot; بدأت في التراجع مؤخرا. وأضاف أن ذلك التراجع تجلى في ضوء ما كشف عنه من مساعدة البنوك السويسرية للنازيين ومحاولاتها المستميتة لإخفاء دورها المزعوم، وما أحرزه اليمين السويسري من مكاسب في الانتخابات البرلمانية.

ونقل الكاتب عن الخبير بشأن التقارب بين أوروبا والإسلام ألبريخت ميتزغير قوله إنه لطالما احتفظت سويسرا بتلك المكانة، معربا عن اعتقاده بأن ذلك لم يعد له معنى في زمان العولمة الحالي، حيث يتحتم عليك التعاون في كافة المستويات. بل إن أكاديميا مثل الأستاذ بجامعة نيويورك بيرت نيوبورن الذي عمل مستشارا قانونيا للناجين من محرقة اليهود (الهولوكوست) في نزاعهم مع السويسريين، ذهب إلى أبعد من ذلك في العام الماضي حين كتب في مقال بصحيفة لوس أنجلوس تايمز الأميركية أنه ربما يكون الوقت قد حان لوصف سويسرا بالدولة المارقة. وعرض ستيف كيتمان في مقاله سلسلة من الأحداث قال إنها أوصلت الأمور بسويسرا إلى هذا الوضع، وذكر أن السويسريين شوهوا صورة التسامح المعروفة عنهم عندما رفضوا بالأغلبية بناء المآذن خلال الاستفتاء الذي جرى في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وخلص كيتمان إلى القول إن من الواضح quot;أننا وصلنا إلى النقطة التي لا تملك فيها دولة أن تتصرف فوق قوانين ومعايير عالم القرن الواحد والعشرين الوثيقة الصلة مع بعضهاquot; انتهى الخبر.

من المعروف أنه منذ زمن ليس بالقليل، ونخب إسرائيل تبتز معظم دول الغرب، ومنها سويسرا التي تتهم بأنها سرقت أموال اليهود، وخاصة ضحايا المحرقة النازية، وجرت جولات كثيرة من المفاوضات بين إسرائيل وسويسرا، تمخض عنها، بأن قامت سويسرا بضخ عدة مليارات من الدولارات، وربما لازالت تضخ أموالا لدولة إسرائيل لا أحد يعرف حجمها، وكيف؟

بالتأكيد اليمين السويسري، كان أفقه ضيق أكثر مما، يتصور المرء عن تيار يدعي الليبرالية، كان أفقه ضيق عندما صور أن المآذن تشكل خطرا على سويسرا، وكنا تطرقنا إلى هذا الأمر في حينه وفي أكثر من مقال، والسياق السياسي الداخلي الذي كان وراء هكذا تصويت. لكن هل هذا يؤدي إلى أن نرى كل سويسرا بعين أرنست بلوخر الشخصية التي أرخت لبداية عدم التسامح في سويسرا، منذ أن تسلم قيادة حزب الشعب اليميني، أم نراها بعينالزعيم العربيالذي دعى للجهاد ضد سويسرا نتيجة لأزمة شخصية؟ سويسرا كانت ولازالت من أكثر الدول الغربية، تضامنا مع القضية الفلسطينية، ومواقفها في الكثير من المحافل الدولية تاريخيا معروفة، ولا داعي لسردها، ولكن رغم ذلك ليس هذا معيارنا- رغم أهميته- في الحكم على دولة مثل سويسرا، بل معيارنا في الحكم نابع من الوضع الداخلي للدولة السويسرية، التي بات لديها مواطن فوق غربي! بمعنى أن الامتيازات التي يحصل عليها المواطن السويسري جعلت أقرانه في معظم دول الغرب وخاصة الصناعية منها، يحسدونه عليها، فسويسرا فيها مئات الالوف من عمال ألمان وفرنسيين يعملون فيها.

إن الدعوة للجهاد هذهquot; تعطي ملمحا للطريقة التي تدار بها أوطاننا، حيث أن لغة الجهاد هذه لازالت حقلا متنازعا عليه- بالتراضي أحيانا- بين الإرهاب وبين بعض النظم السياسية في المنطقة، والطبقة السياسية في أوروبا تعرف جيدا هذا الأمر. والطريف في الأمر، هو تلاقي اهتمام ملفت بين دعوة الجهاد ونخب ثقافية يهودية موالية لإسرائيل بشكلها اليميني المتعصب، وبين منبر إعلامي يعتبر الأهم في العالم العربي وهو قناة الجزيرة. سويسرا ليست دولة مارقة ولن تكون، لأنها دولة قانون ومؤسسات ومواطنة بالدرجة الأولى. ولكن السؤال، والذي على ما يبدو أضاعته الدعوة العربية وبعض النخبوية اليهودية وقناة الجزيرة هوquot; سويسرا دولة مارقة عماذا؟ هل هي مارقة عن شرعة حقوق الإنسان؟ أم أنها تدعم الإرهاب؟ أم أنها دولة سلطة يصيغها رجل واحد كما هي الحال عندنا؟ أم انها مارقة يراد لها أن يكون موقفها من الصراع العربي الإسرائيلي أكثر ميلا للنخب اليمينية الإسرائيلية؟ أم هي مارقة لحياديتها الدولية؟

إن هذه الدعوة الجهادية، وتبنيها من قبل الجزيرة، دعوة تثير الغرائز العنفية، وإن كانت تتلبس لبوسا سلميا، . صحيح الأزمة الدبلوماسية قد حلت، ولكن ثقافة الدعوة للجهاد لم تحل..وستبقى بعض النظم تستخدمها مباشرة أو عبر وسائط، إسلاموية سياسيا وثقافيا.