تعيش منطقة الخليج العربي و الشرق الأوسط حالة حقيقية من الهرجلة و التوتر مع إنتعاش سوق رفع الشعارات الحماسية و الثورية التي لم تنقطع منذ عقود طويلة و لكنها اليوم في أشد حالاتها تأزما و صيرورة، فالخلاف الشديد حول الملف النووي الإيراني الذي يشهد حالات واضحة من المد و الجزر بشأن التعاطي الدولي مع ذلك الملف، بين طرف يرفع العصا و يطلق الإشارات الحمراء، و بين أطراف مهادنة تحاول إمساك العصا من النصف و تترك الخيارات المستقبلية مفتوحة النهايات قد رسمت علامات واضحة من حالات عدم الإستقرار الإقليمي خصوصا و أن تمدد الدور الإيراني ستراتيجيا لمواقع خليجية و عربية مهمة قد رسم ظلالا قاتمة حول مستقبل المنطقة بشكل عام خصوصا بعد أن وضعت القيادات الفلسطينية الكثير من بيضها الفاسد أصلا في السلة الإيرانية وهي سلة كما أثبتتها التجارب القريبة و البعيدة ليست مليئة بالمن و السلوى و الحلول الناجعة بل بمختلف ألوان و أصناف و أشكال الثعابين السامة، و لعل قوافل الدعاة من الكتاب و المثقفين و المنظرين للدور ألإيراني من الإعلاميين باتت اليوم تمثل الرمح الإيراني المتقدم في الشرق ألأوسط، فمثلا ما فتأ أحدهم من الذي يحمل عنوان ( الأمين العام لمنتدى الحوار العربي / الإيراني ) الذي لا نعرف له مقرا و لا عنوانا و لا هوية آيديولوجية و فكرية واضحة من التبشير ببراءة و عذوبة و روعة الدور الإيراني في العالم العربي!! وهي أقوال و دعوات و تخرصات تثير التأمل الممزوج بالسخرية المرة من الصدأ الذي يغلف بعض العقول التي تتصور بأن للنظام الإيراني فائدة ستراتيجية حقيقية أو كونه سند ستراتيجي للقضايا العربية؟ كنا نتمنى هذا الدور فعلا من الجار الإيراني المسلم و الشعب الإيراني العزيز و الصديق و الذي تربطنا معه روابط تاريخية و إنسانية و حضارية هي الأقوى، و لكن للأسف طبيعة السياسة الإيرانية و حصادها المر خلال العقود الثلاث المنصرمة من الزمن الإقليمي النازف لا تسمح أبدا بأي تفاؤل حقيقي بدور إيراني مساند و قوي للأمة العربية و قضاياها الساخنة و الملتهبة، فقضية فلسطين مثلا وهي ألأهم و التي دخل النظام الإيراني على خطها من خلال الشعارات منذ ايامه ألأولى لم يستطع هذا النظام رغم كل جوانب القوة التي يمتلكها من أن يحدث إنعطافة حقيقية في مساراتها بل العكس هو الصحيح تماما، ففي عز الهجمة الإسرائيلية على المقاومة الفلسطينية في بيروت خلال الغزو الإسرائيلي في صيف عام 1982 كان النظام الإيراني و آلته العسكرية و فرق باسيجه و متطوعيه مشغولة بالكامل ليس في تحرير القدس و لا في ردع الآلة العسكرية الإسرائيلية و منعها من تدمير لبنان و المقاومة الفلسطينية و الجيش السوري الذي كان في بيروت وقتها! بل كان مشغولا ب ( فتح كربلاء ) و بتحشيد الحشود المليونية لإجتياح العراق و خصوصا البصرة في معارك تموز / يوليو 1982 و التي كانت معارك دموية مرعبة و مخيفة كلفت شعبي العراق و إيران آلاف الضحايا في معارك عبثية لا طائل لها سوى عبر شعار ( طريق القدس يمر من كربلاء )!! و هو شعار غوغائي و سخيف يعني أن الجيوش الإيرانية ستصل للقدس و لكن بعد إبادة الجيوش العربية!!، هذا التاريخ المرعب لا يمكن أن ينسى أو يمحى من الذاكرة، وقتذاك كانت قوات شارون تضرب بكل قسوة في بيروت و المدن اللبنانية بينما كانت المدافع و الصواريخ الإيرانية تدك أهدافها المدنية في البصرة مخلفة الدمار و الموت، وطبعا لم يتسن للجيوش الإيرانية كسب المعارك و لم تتقدم بوصلة نحو القدس !!

بعد ذلك التاريخ جرت الحرب سجالا و أنتهت وفقا للطريقة المعروفة، ومع ذلك لم يفعل النظام الإيراني شيئا لوقف التمدد و الزحف العسكري الإسرائيلي في لبنان خصوصا الذي شهد حربا تدميرية في صيف 2006 كانت الجيوش الإيرانية غائبة عن الساحة رغم أن قيادات الحرس الثوري متواجدة في دمشق وكانت تتفرج على مصارع الشعب اللبناني و تدمير بنيته التحتية!

إن ألأهداف الستراتيجية الإيرانية تتمحور بين محوري كابول و بغداد فالمجالات الحيوية الإيرانية هناك وكل حديث عن صراع حقيقي مع إسرائيل هو مجرد هرطقة و دعايات بائسة للنصب و الإحتيال و الضحك على الذقون، لقد هاج الإيرانيون و ماجوا لمجرد ذكر كلمة ( الخليج العربي ) وهددوا بالويل و الثبور دول المنطقة بسبب تلك الكلمة كما حركوا زعانفهم و أدواتهم السرية و العلنية و خلاياهم النائمة في دول الخليج العربي إنتظارا لليوم الموعود وهو طبعا ليس يوم الهجوم على إسرائيل بل يوم الهجوم على الأهداف الخليجية العربية حين تحين ساعة المواجهة المؤجلة مع الغرب، لاشيء في السياسة و الستراتيجية الإيرانية الموجهة للعالم العربي يدعو للتفاؤل فالدور السلبي الإيراني في العراق قد جعل من ذلك البلد العربي الذي كان قويا ذات يوم ملعبا بائسا لغلمان النظام الإيراني بعد أن تعاون الإحتلالان ألأمريكي و الإيراني في تهشيم العراق داخليا و بنيويا و جعله أرضا يبابا تحولت طبقته السياسية الجديدة للأسف لعاملة في بلاط الولي الإيراني الفقيه وحيث يتسابق أقطابها جهرا و علانية لنيل الرضا الهمايوني الإيراني فخرج العراق من حاضنة القوة العربية و تحول لعبأ ستراتيجي إقليمي بدلا من أن يكون لاعبا إقليميا مهما، فصندوق العفاريت العراقي تتحكم طهران اليوم بكل شياطينه، و أعتقد أن حقائق الصراع الإقليمي لا يمكن أبدا أن تؤسس لأي مواجهة حقيقية بين النظام الإيراني و إسرائيل.. لأن ذلك خارج سيناريوهات لعبة الأمم المخادعة، النظام الإيراني له دور إستنزافي تخويفي محدد في منطقة الخليج العربي وهو ليس في وارد إطلاق رصاصة واحدة على إسرائيل بل إطلاق الكلمات و الوعود و نشر الروايات الخرافية و الميتافيزيقية !! و لا يوجد أي إمكانية مستقبلية لتغيير محاور اللعبة الدولية و الإقليمية، المواجهة العسكرية الإيرانية الإسرائيلية من المستحيلات كالغول و العنقاء.. و الخل الإيراني الوفي!!

و من لا يصدق فليقرأ المشهد الإقليمي و ستكشف أمامه المغاليق و الأسرار، و أي رهان على خلاف ذلك هو مجرد مراهنة على تقوى إبليس... تلك هي الحقيقة العارية و بلا رتوش تجميلية، و مع ذلك سنظل نبحث عن عنوان منتدى الحوار العربي / الإيراني.!

[email protected]