الخاصية الأولى: في وثبة من وثبات الزمن تغدو الشعوب خارج نطاق التاريخي، يترهل سيلان الإدراك، ويتكلس الوعي إلى درجة إن أي عملية في مفهوم التغيير تضحو ضرباً من التأمل التخيلي، لإن ما قد ترتب في فترة الخمود والهمود لايرضي بمنطوق التغيير التدرجي، ويلغي كل فحوى للتراكمي، لسبب دياليكتيكي صارخ أكيد هو إن هذه الفترة قد أفرزت حيثيات تعارض نقائضها لتقمعها وتمنعها أصلاً من النمو. وهذه الحيثيات لاتستشاط حنقاً وغضياً في وجه كل ما هو نقيض، إنما هي تشوهه لتضفي إليه مراهقة تاريخية، مراهقة فريسة للتقوقع والأنهيار ومن ثم الذوي إلى الأبد. في وثبة من وثبات الزمن يمسي الواقعي هو السيد المطلق، هو المقدس الأوحد الصمد، هو المحراب الذي على أصنامه ينحر ( بضم الياء ) الفرد، المجتمع، البكارة، النواميس، المستقبل، الطبيعة، والشمس والقمر. في وثبة من تلك الوثبات، يلفحنا سبات تاريخي ولا نهجع، نغدو أشباهاً وأشباحاً لا نرقد ولا نفيق، إنما نسدر في ضباب كثيف، نهيم في خارج التاريخي، خارج القوانين المتأصلة في الطبيعة وزرقة السماء.. الخاصية الثانية: إذا مايز المفكر ( لالاند ) ما بين العقل الفاعل والعقل المنفعل، وجاراه المفكر محمد عابد الجابري من حيث المبدأ، فأننا لانشاطرهما هذا التوجه، فالعقل هو واحد، مادة واعية، تمتلك وظيفة محددة، هي تدرك أدراكها، تتطور كلما تخمرت، تسمو كلما تحررت من مشاكلها، لذا نحن نسمي تلك المادة ( العقل ) بالمادة المدركة الواعية. ونعتقد إنهما لم يمايزا ما بين الشيء ووظائف الشيء، فالإنفعالية والفاعلية هما من الوظائف، ولإنهما كذلك، هما مقيدان بمفاهيم عديدة منها الذكاء والغباء، ولإنهما هكذا، يهمنا أمر صاحبهما، أي أمر المادة المدركة الواعية، التي في وثبة من تلك الوثبات تبيت مريضة في وظائفها، تغدو أسيرة في محتواها ( ثقافتها، تاريخها )، ذليلة في الأبداع، كسيحة في السلوك، بحاجة، كي تستقيم وتحبو من جديد، أن تتحرر من الصدأ والورم.. الخاصية الثالثة: إشكالية الخطاب العام ( السياسي، الأصولي، الثقافي ) تلج كل المعطيات السوسيولوجية، الأقتصادية، العلائقية، المعتقدية، بأبشع وأمقت صورها، ليس لإنها تقتات من الخطاب الرسمي، وليس لإنها تنافح عن خصوصياته، وليس لإنها تغتال كل خطاب مواز، كل خطاب آخر، كل خطاب ناقد، وليس لإن نوعية هكذا خطاب قد تخطاها التاريخ، في النشوء، في الأسباب، في الطبائع، بل لإن مايسمى بالخطاب العام لايتمتع بأي مقومات ( جزئية أم كلية ) تليق بمضمون ( الخطاب )، بل الأنكى من ذلك، لكنا تجاوزنا هذه المعضلة أيضاً لو لم يكن هذا ( الخطاب ) مزوراً، مفبركاً، مدقعاً في فحواه، ضحلاً في سيولته، يعتوره النفوق والنفاق، تعوزه المصداقية والتصديق.. الخاصية الرابعة: إشكالية جوهر اللافرد واللامجتمع تنخر في غياهب صميم أنطولوجية البرهان، البيان، الفكر، طريقة التفكير، القوى المعنوية الإجتماعية، القوى المعنوية السياسية، وليتها تغذت من إحدى المقولتين ( الفرد، الجماعة ) على حساب المقولة الأخرى كما هي الحال في الغرب ( حيث التقني، جوهر الفرد، سطوة الحرية، قوة القانون، البراجماتية، الموضوعي التاريخي )، إنما هي تغدر بالأثنتين، وليتها ( لو على حسابنا في الوجع و الكرامة والشرف والفكر والوجوديا ) تمتعت فعلاً بالثالوث ( المال، السلطة، النفوذ ) ودافعت حقاً عن مضمون ( المطلق، السيد، الأبدي )، إنما هو هدر للكل، تنكيل بالجميع، هو غياب سرمدي للعربي، الكوردي، ومن ثم للآشوري، والماروني، والقبطي. فاللا ( فرد والجماعة والإقتصاد والشيء ) هي التي تستبد بنا كلنا، حيث ( اللا ) هي هنا جوهر فلسفي في جدلية مبدأ التناقض ( الوجود واللاوجود، العدم واللاعدم ) المقتبس من الفكر الماركسي، الهيجلي، السارتري حصراً وتحديداً.. الخاصية الخامسة: إن المثقف النقيضي ( ناهيكم عن المدرسة النقيضية أو التيار النقيضي ) هو وجود مفقود، ضائع، يتلمظ مجد إبداعه الخاص الفردي في فحوى التعارض، يسلو منطوق شخصانيته في الموضوعي والخاص، ليضرب مفهوم مقولتي الدور والتاريخ عرض الوهم والجدار. فالمثقف في الشرق الأوسط هو بيدق على رقعة شطرنج جاهل، يجنح إلى المصالحة إذا ما جنحوا إليها، وهل يصالح الجسد السقم !!. ومن سخرية الأقدار إن المثقف ( المعارض ) هو الوسيط اللاشرعي ما بين الحقيقي والوهمي، ما بين الفعلي والخيالي، بل الأنكى من هذا هو يكمل الدور في أداء الوهمي والخيالي في منطقة الشرخ ما بين الوجود واللاوجود، ويعرض ثقافته ودوره والتاريخ بأبخس الأسعار ( والأمثلة لاتعد ndash; بضم التاء ndash; في سوريا ولبنان )، في حين إن الشعوب مستعدة أن تشتري تلك الثقافة والدور والتاريخ بوسام أستحقاق من الدرجة الأولى، وسام أستحقاق من درجة عمر المختار، غاندي، واليس، سبارتاكوس.. الخاصية السادسة: إن الشعوب التي لاتنتج المعرفي، أو على الأقل لاتعيد صياغته في أنتاج جديد، أو على الأقل لاتعيد( المعرفي الآخروي ) وفقاً لخواصها وحيثيات مجتمعها لايمكن أن تتمتع بمقومات الوجوديا ( البونياديا )، ولايمكن أن تكون رقماً في التاريخ، إنما على الأكثر رقماً في الجغرافيا، ولكنا رقماً في الجغرافيا المائتة ( الخاصية السابعة ) لو لم نكن في الشرق الأوسط. والأنتاج المعرفي هومفهوم مركب معقد لايقتصر على المحتوى الضيق للمعرفة والنظريات العلمية والأكتشافات والأختراعات وتجديد الفكر والسلوك وتحديث الإقتصاد والسوسيولوجيا، والنشاط الأبداعي والفني والأدبي واللغوي، إنما غدا مقدمة أكيدة في نسق ( ذهنية الدمقرطة )، وفي التماثل ما بين الموضوع والمحمول، وفي منح مبدأ التناقض جوهره التاريخي، وفي جعل التناقض الأساسي هو مرتكز الصراع في التطور والتقدم.. الخاصية السابعة: مفهوم الشرق الأوسط وضرورته للرأسمال المالي البنكي الربوي يتجاوز البناء التاريخي والواقعي المرصودان له، في الفعل إن ( الشرق الأوسط ) هو دينامو تاريخ الأرض وهو الذي يسيطر على مفهوم الحركة الجدلية فيه، وبدونه يضحو الرأسمال المالي البنكي الربوي هزيلاً سقيماً، بل مفهوماً سياسياً كسيحاً كسيخاً، وأرجو ألا يفهم ( بضم الياء )هذا الأمر من الناحية الإقتصادية، أو من ناحية المصالح، كما يحلو للبعض في الشرق الأوسط إقحام نظرية المؤامرة في مصيره.. الخاصية الثامنة: أولوية التاريخي على الجغرافي هي السمة الأقوى والأصعب في هذه الحقبة من التاريخ، فالتاريخي لايؤصل للواقعي والموضوعي ومن خلالهما للإقتصادي والفكري، إنما يرسم خطوات شديدة الخصوصية في محتوى القوانين وحيثيات المبادىء والمسلمات الأولية. وللتاريخي مدلولات ثلاثة ( في هذا المعنى طبعاً )، إنتهاء المسألة القومية لصالح مضمون المختبر الواحد، الحفاظ على هوية الثقافة والتراث، ضمان المستقبل في العيش المشترك ( إجتماعياً، إقتصادياً ). لذا فإن الذين يركزون على مفهوم الجغرافيا هم ألد أعداء بناء الشرق الأوسط الحديث، بل هم يغمطون عليه حقه في مواجهة الرأسمال المالي.. الخاصية التاسعة: المسألة الفلسطينية وأولوية الديمقراطية عليها. يجمع المثقفون والسياسيون والمفكرون على إن المسألة الفلسطينية هي المركزية الأولى في قضايا المنطقة، وهذا تناقض ليس بعده تناقض، بل مصادرة على المطلوب، فالديمقراطية هي أساس كل تحرر، الجغرافي، التاريخي، الإنساني، الفردي، كونها جوهر خاصية الكل. أضف إلى ذلك، إن مفهوم المقاومة قد تبدل وأنبطل منطوق ( ما أوخذ بالقوة لايسترد إلا بالقوة )، فالمقاومة ضائعة إذا ما قورنت ببناء الأنسان، الدماغ، القانون، الداخلي، ودليلنا في هذا بسيط وجلي، فالمنافحون المزعومون عن فلسطين ولبنان هم المقاولون الكبار لبيع المنطقة وزرع الألم والوجع والمآسي فيها.. الخاصية العاشرة: تجديد الفكر الماركسي.إن الفكر الماركسي يتمتع بخواص في التحليل البنيوي لايضاهيه في عظمته، نبوغه، عمقه، شموليته، أي فكر عالمي آخر، وهو لايحتسب ( بضم الياء ) من أقوى النظريات في هذا المضمار، إنما هو، بلا إرتياب، الفكر العالمي الوحيد حتى الآن في تحديد ميزات التاريخي وقوانين الطبيعة وتجليات المادة والوعي. من هنا تحديداً، نحن نؤمن، أيما إيمان، إن الوظيفة التاريخية الأساسية تكمن في إعادة الأعتبار الموضوعي لهذا الفكر العملاق، ماركس وأنجلس، بعيداً عن السياسة اللينينية السوفياتية التي أقحمت نفسها عنوة وبكثير من السطوة والأستبداد في ثنايا الفكر الماركسي الأنجلسي. والمجتمع الشرق الأوسط أحوج إلى إحياء هذا الفكر من أصوله المعتمدة لتؤوب القوانين الموضوعية إلى تجلياتها السامية وليس إلى محاكاتها.. ( في الحلقة الثانية سنوضح مفهوم الثورة لدى الجماهير).
- آخر تحديث :
التعليقات