انتهجت بعض الحركات السياسية والدولية سياسة التسلق واستجداء الشرعية عبر سلوك إعلامي ودعائي اقل ما يقال عنه انه ميكافيلي لا تهمه في تحقيق أهدافه انتهاج أي وسيلة من الوسائل مهما كانت في طبيعتها عدائية أم شوفينية أو كارثية كما حصل في مراحل كثيرة من تاريخ البشرية القديم والحديث، والتي أدت الى ماسي كبيرة عانت منها شعوب واقوام وتسببت في حروب مدمرة كان آخرها تلك الحروب التي اشتعلت بين إسرائيل والدول العربية وبين العراق وإيران وادت الى مقتل مئات الآلاف وأضعافهم من الجرحى والمعاقين، وتدمير القرى والمدن والبنى التحتية لتك الدول المتحاربة على خلفية الكراهية الدينية أو العرقية واطماع المتشددين فيهما.
لقد اعتقد الكثير ان تلك الحروب الكونية الرهيبة بين المانيا والعالم والتي دفعت الولايات المتحدة في الثانية منها الى استخدام سلاحها القذر في اليابان، ستكون آخر الحروب التي كثفت ثقافة العرق السامي او الراقي الذي تبنته منظومة التفكير لدى النخب الالمانية النازية والفاشية الايطالية وانتقل فايروسه الى حركات واحزاب عنصرية حكمت العراق وبعض دول الشرق الاوسط وما تزال تنفث سمومها حوله اينما تواجدت او صادفت بيئة مناسبة لنموها وتكاثرها كما يحصل الآن في العراق باستغلال قطار الديمقراطية، في غياب قانون أو تشريع يمنع تلك الثقافة التي منعت تماما في معظم دول أوربا بعد سقوط النازية والفاشية.
ولعل اخطر ما استخدمته الماكنة الاعلامية الاسرائيلية في استعطاف الرأي العام الدولي وبالذات الاوروبي والامريكي، هو اتهام العرب والفلسطينيين بمعاداة العنصر السامي رغم انتمائهما لهذا العنصر، بمعنى معاداة الاسرائليين واليهود خاصة والادعاء بأن العرب والفلسطينيين ينوون ابادة هذا العنصر وهذا الدين، مدعية انها تمثل السامية لوحدها دون العرب؟ واستطاعت عبر حقبة طويلة من اقناع الرأي العام الاوربي والامريكي بفكرة معاداة السامية التي ينتهجها العرب وكل من يساندهم ضد الاسرائيليين وبذلك كانت تهيئ دوما ارضية خصبة لأي عملية واسعة عسكرية او مخابراتية تقوم بها ضد الفلسطينيين او الدول العربية بما يحقق لها نصرا اعلاميا وتعاطفا دوليا؟
ومثل ذلك فعلته اجهزة الدعاية الامريكية والرأسمالية عموما بعد سقوط المانيا الهتلرية وبدأ الحرب الباردة والصراع الخفي بين الامريكان والغرب من جهة والاتحاد السوفياتي ومجموعته الشرقية واليسارية من جهة اخرى، في ما عرف بسياسة معاداة الشيوعية طيلة حقبة الحرب الباردة والتي اعتبرت فيها الشيوعية كفرا وإلحادا وكونها فكرا تدميريا للمجتمعات واخلاقياتها وعاداتها وتقاليد الاديان الشرقية والاسلامية تحديدا، متعكزين على اثارة الرأي العام الديني لدى المسلمين بالذات حول الاحزاب الشيوعية والتقدمية ونظريات الفكر الماركسي حول الوجود والاديان والطبقات الاجتماعية والنظام القبلي وشيوخه والاقطاعيات الزراعية مستغلين في ذلك كثير من المتطرفين والمتزمتين لدى الطرفين؟
ولقد انتجت تلك النظرية مع ما ترشح من افكار نازية مجموعات من الانظمة والحركات والاحزاب القومية المتطرفة عرقيا ودينيا بما يصنفها في حقل النازية والفاشية في اقصائها للمكونات غير العربية وغير الاسلامية في كثير من البلدان مثل العراق وسوريا والسودان ودول شمال افريقيا وتركيا وايران، من خلال معاداتها العنصرية لتلك المكونات والعمل وفق برامج منظمة لأذابتها واحتوائها ضمن بودقة القومية الاكبر في تلك المنطقة من خلال مجموعة من القوانين وبرامج الإذابة في منع تداول اللغة واستخدام الأسماء والفلكلور وما سمي بتصحيح القومية والترحيل والتوطين وأحزمة الحدود القومية.
وإذا ما راقبنا حقبة حكم واحدة من تلك الأحزاب النازية التي حكمت العراق منذ 1963م وحتى سقوط هيكلها الإداري في نيسان 2003م، فسنرى تشابها كبيرا بين طروحات قادة النازية والفاشية وقادة تلك الحقبة وافكارهم وممارساتهم تجاه الشعب بشكل عام والمكونات غير العربية والإسلامية بشكل خاص، والغريب في ذلك التشابه الكبير في سلوكيات وتطبيقات الدولة العبرية في فلسطين، وبين ما كان يفعله ذلك النظام وبالذات اعماله في كردستان العراق وجنوبه، حيث التغييرات الديموغرافية وتهجير السكان وإسقاط وثائقهم وثبوتاتهم الرسمية بما يقطعهم من جذورهم في كركوك والموصل وديالى، وبناء المستوطنات التي استقدم لها السكان من جنوب ووسط العراق وتمليكها مساحات واسعة من الاراضي الزراعية التي كان يمتلكها السكان الاصليين الذين تم تهجيرهم منها في وحول كركوك والموصل واربيل ودهوك، كما فعل الإسرائيليون في مجموعة المستوطنات التي بنيت على أنقاض القرى والمدن الفلسطينية منذ اربعينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا في القدس والضفة الغربية، اضافة الى ما كانت تستخدمه اجهزة الدعاية والاعلام لتلك الانظمة بشكل مكثف في الانتقاص من تلك المكونات واتهامها بالخيانة العظمى دوما والعمالة للغرب او اسرائيل كما تفعله اليوم اجهزة الدعاية والاعلام العربية في ما يتعلق بتجربة اقليم كوردستان العراق، حيث تستخدم قوى سياسية فاشية نجحت في ركوب قطار الديمقراطية لتصل الى مفاصل مهمة في منظومة الحكم العراقي ذات الاسلوب الميكافيلي الذي استخدمته الدعاية الصهيونية واجهزة المخابرات الامريكية في العقود الثلاثة الاخيرة من القرن الماضي، بمعاداتها للكرد وتجربتهم لتحقيق ما تصبو اليه في الهيمنة على مواقع اكثر في جسد العراق الجديد تحت عباءة الديمقراطية ولحساب اجندات دولية ليست ببعيدة عن المنطقة ولها علاقة واضحة بالملف الجغرافي السياسي والتكوين العراقي مستغلة التورط الايراني في الجانب الاخر من البلاد؟
ولقد تم تأشير تلك القوى والتنبيه الى محاولاتها باستخدام ذلك القطار للنفوذ ثانية الى مواقع التأثير والسلطة، وبدلا من محاربتها ومعالجة مكامن الخلل الذي تستغله، استخدمها البعض كاوراق سياسية ضاغطة في الخلافات مع الاطراف الاخرى في العملية السياسية سواء في بغداد او مع الاقليم، وذلك من خلال غض النظر عن اختراقاتها بل ودعمها في مناطق كثيرة مثل كركوك والموصل لدرجة العمل معها من اجل ايصالها الى دفة الحكم في تلك المناطق كما حصل مع مجموعة الحدباء-النجيفي المتطرفة في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة في العام الماضي، وهي ذاتها تحالفت مع الكتلة المنافسة لها الآن في انتخابات مجالس المحافظات، انها حقا تستخدم مناورة ميكافيلية معروفة لدى النظام السابق مع كل القوى الفاعلة الآن من اجل تحقيق اهدافها للوصول الى السلطة ومحاولة اعادة او تصنيع اجزاء من الماضي السياسي البغيض للبلاد.
لقد دأبت تلك القوى على استخدام شعار بالي في معاداتها للكُرد وكردستان وهي تدافع عن مكتسبات النظام السابق وعطاياه لأولئك الذين دمروا البلاد واستحوذوا على اموالها وممتلكات مواطنيها كما حصل في كركوك والموصل وديالى وبغداد والفرات الاوسط في عمليات التوطين والترحيل وتغيير القومية واذابة شرائح دينية وعرقية في محافظتي الموصل وكركوك ( الايزيدية والمسيحية وعشائر الشبك ) في بودقة عنصرية شوفينية لسلخها من واقعها وفرض واقع هجين عليها، بل انها لا تؤمن بالدستور الحالي وتعمل من اجل الغائه او تعطيله كما فعلت طيلة اربع سنوات مع تطبيق المادة 140 وغيرها من المواد الاخرى، وهي اليوم تحاول تسلق جدران السلطة وممارسة ذات الاسلوب الميكافيلي مع كل القوى الفاعلة في الساحة السياسية وبالأخص تلك التي عارضت النظام ووقفت بالضد من أفعاله وسلوكياته ونهجه محاولة منها لتصنيع الماضي او اجزاء منه هنا وهناك!؟
التعليقات