الجزء الأول

مازلنا نستعرض كتاب quot;التعليم والمواطنةquot; الصادر فى يناير 2010 عن أوراق وابحاث المؤتمر الثانى لمناهضة التمييز الدينى.فى المقال الأول أستعرضنا أختراق الإسلام السياسى للعملية التعليمية على كافة مستوياتها من خلال بحث الدكتور عصام صيام، وفى هذه المقالة نسنعرض التردى الفظيع فى المناهج التعليمية ذاتها من خلال عدة اوراق، وفى المقال القادم سوف نتناول المناخ المحيط بالعملية التعليمية برمتها، وبهذا نكون قد غطينا بشكل متوال العامل البشرى ثم المنهج الدراسى ثم المناخ التعليمى.
نبدأ بالبحث المقدم من الأستاذ طلعت رضوان وهو عن التعليم الأزهرى، ولعله يكون رسالة لشيخ الأزهر الجديد للفت نظره لما يدرس فى المدارس الأزهرية من أمور لا يصدقها عقل، ففى كتاب quot; تقريب فتح القريبquot; المقرر على الصف الثالث الأعدادى الأزهرى جاء فيه،quot; الاستبراء هو انتظار العبدة مدة بسبب حدوث البلل فيها، اى بعد ممارسة سيدها للجنس معها، أو زواله عنها تعبدا أو براءة من الحمل!!quot;. وفى كتاب quot;الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاعquot; الجزء الأول المقرر على الصف الأول الثانوى يشير الكتاب إلى تحديد مواقيت الصلاة quot; إما بالخروج لرؤية الفجر أو سماع صوت ديك مجربquot;(ص 188). وفى نفس الكتاب يتكلم عن أفتراضات عبثية فيقول quot;لو خلق للمرأة فرجان فيكون الخارج من كل منهما حيضاquot;(ص145)، أو الغاز جنسية غير مفهومة مثل quot;من أولج أحد ذكريه أجنب إن كان يبول به وحدهquot;، وquot;وإذا أولج الخنثى فى الرجل المولج فإن كلا منهما يجنبquot; (ص91).
فى كتاب quot;الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاعquot; الجزء الثانى المقرر على الصف الثانى الثانوى من التعليم الأزهرى تقرأ هذا العبث quot;من الأشياء التى يصح رهنها ولا يصح بيعها المرأة العبدة التى لها ولد غير مميزquot; (ص 153). ومن نفس الكتاب فصل بعنوان ( حكم استعمال أوانى الكفار وأشباههم) يقول quot;أنه يجوز استعمال أوانى الكفار إن كانوا لا يتعبدون باستعمال النجاسة كأهل الكتابquot;(ص 172). وفى فصل ( مبطلات الصلاة) يقول المؤلف quot; تكره الصلاة فى الأسواق وفى الحمام وفى المزبلة وفى الكنيسة وهى معبد النصارى، وفى معبد اليهود ونحوهما من أماكن الكفر... ويختم المؤلف بحديث يقول: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجدquot;(ص232). وفى دواعى الحجر على الاشخاص quot;يجوز الحجر على الصبى والمجنون والسفيه والمبذر والعبد الذى لم يؤذن له بالتجارة وعن المرتد عن دين المسلمينquot;(ص162). وفى موضع آخر من الكتاب يقول المؤلف quot;أن المحظور هو أى شئ محرم مثل عمارة الكنائس ونحوها من متعبدات الكفار، أو كتب التواراة أو الإنجيل أو السلاح لقطاع الطرق لأنه إعانة على معصيةquot; (ص309). ويشرح المؤلف للتلميذ أنواع القتل فيقول quot; يمكن انقسام القتل إلى الأحكام الخمسة: واجب وحرام ومكروه ومندوب ومباح، فالأول قتل المرتد إذا لم يتب، والحربى إذا لم يسلم أو يعطى الجزيةquot; (ص171). وفى حالة السرقة يتعلم التلميذ فى حد السرقة quot; أن حد السرقة (قطع اليد) لا يطبق فى حالة سرقة مزمار وصنم وصليب وطنبور، لأن التوصل إلى إزالة المعصية مندوب إليه فصار شبهة كإراقة الخمرquot;(ص240). وفى فصل آخر عن شروط وجوب القصاص يشجع المسلم على قتل غير المسلمين بقوله quot;لا قصاص بين عبد مسلم وحر ذمى، لأن المسلم لا يقتل بالذمى والحر لا يقتل بالعبدquot; (ص 176). ويتعلم التلميذ كذلك بأن المسيحيين ليس لهم حق فى موارد بلدهم بقوله quot;يمنع الذمى من أخذ المعدن والركاز(الموارد الطبيعية) بدار الإسلام. كما يمنع من الإحياء بها، لأن الدار للمسلمين وهو دخيل عليهاquot; (ص355). وفى موضع آخر من الكتاب يقول المؤلف quot; لا يصح بيع كتب الكفر والتنجيم والشعوذة والفلسفةquot; (ص 108)، أما الوصية فيشترط فيها quot; أن لا تكون فى معصية مثل كتابة التواراة والأنجيل وقراءتها وكتابة كتب الفلسفة وسائر العلوم المحرمةquot; (ص 390). أما عن الخرافة فحدث ولا حرج مثل quot;لو ارتضع صغيران من شاة لم يثبت بينهما أخوة فتحل مناكحتها وكذلك الجنية إن تصور إرضاعها بناء على عدم صحة مناكحتهم وهو الراجحquot; (ص 140)، ومثل quot; من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معهquot; (ص 219)، ومثلquot; أم الجنين اليهودى أو النصرانى بالتبع لأبويه تجب غرة فيه ثلث غرة مسلم كما فى ديته وهى بعير وثلثا بعير وفى الجنين المجوسى ثلث خمس غرة مسلم كما فى ديته وهى ثلث بعير، أما الجنين الحربى المرتد تبعا لأبويهما فمهدرانquot;(ص 202). وفى موضع أخر يسأل التلميذ quot; عرف الاستبراء. وفرق بين المسببة والمشتراة، ولو وطئ أمة شريكان فى حيض أو طهر ثم باعاها أو أرادا تزويجها، فم الحكم؟quot; (ص 139)،ويواصل المؤلف quot; يغسل الميت وترا ويكون فى غسله سدر أو خطمى، ومعنى السدر: شجر النبق. والخطمى: نبات يغسل بهquot;(ص317)... هل فهمت شئ من هذا؟ ولا أنا أيضا؟.
هذه عينات مما يدرسه طالب الأزهر فى مصر كما أوردها الأستاذ طلعت رضوان فى بحثه فهل بعد ذلك يتسائل البعض ما هى أسباب التطرف وإنغلاق العقل وإستحلال أموال وارواح الأقباط فى مصر؟.
وإذا تركنا هذا البحث إلى ورقة قيمة أخرى بعنوان quot; بنية التمييز الدينى فى مناهج التاريخquot; كتبها الدكتور شريف يونس يبدأ المؤلف ورقته بعبارة تلخص بحثه كلهquot; توحى قراءة مناهج التاريخ بأن واضعيها ممتلئين اقتناعا برسالة مقدسة فحواها تديين وأسلمة التعليم عموما، بحيث يمكن القول بأن أسلمة المناهج مجرد أحد مظاهر جهود الأسلمة المستمرة فى كل جوانب التعليم وفى غير التعليمquot;. وينطلق المؤلف من تعريفه للتاريخ بأنه المختص أكثر من غيره ببناء هوية مشتركة معينة لمواطنى الدولة، وبالتالى فأن دراسة التاريخ فى مصر تكشف عن التمييز لا كمجرد خطأ أو مشكلة ملتصقة تعسفا بالمنهج وإنما كعنصر فى تصور عام للتربية الوطنية التى يعتبر التاريخ حجر الزاوية فيها، لأنه بطريقة غير مباشرة يضع الفرد داخل انتماء معين. ويصل المؤلف من خلال بحثه الطويل إلى أن اقحام الأسلمة فى مناهج التاريخ ليس فقط الغرض منه بناء هوية إسلامية بديلا عن الهوية الوطنية المصرية وأنما أيضا إذلال الأقليات والكيد بهم لدرجة إنه فى نهاية الوريقات القلائل المقررين عن الحقبة القبطية يأتى السؤال المستفز: أكتب عشرة أسطر إلى الرسام الدنماركى الذى أساء إلى رسول الله!!!. ويلخص الدكتور شريف يونس القصة كلها فى مصطلح جميل هو quot; الذمية الحضاريةquot;، فما يحدث فى مناهج التاريخ المصرى هو ذمية حضارية مع سبق الأصرار والترصد وهو جزء من مشروع أكبر غرضه إذلال الأقباط فى كل مناحى الحياة.
وفى بحث آخر لمجدى خليل عن السمات الرئيسية لمقررات اللغة العربية والتربية الدينية يخلص إلى quot;فى النهاية لا تشعر انك أمام تعليم حر يقوى مناعة الإنسان الفكرية والإنسانية وإنما امام غسيل مخ دينى إجبارى، تعليم إستعلائى سلبى دفاعى عن الذات الدينية،تعليم منغلق متعصب عنصرى فى بعض اجزاءه، يعادى العقل والعلم ويروج للخرافات والشعوذه والهلوسة وعالم الميتافيزيقا، تعليم عدوانى جامد يرفض التطوير ويدعو للقيم المطلقة، ويحقر من المنتج العقلى ومن انجازات البشر الحقيقية وينسبها للإسلام، يعادى ثقافة الحياة، ويناصب الذات والعالم غير المسلم العداء، تعليم يمثل سوط لجلد قيم الحياة المعاصرة... تعليم يخلق فى النهاية شخصيات مصابة بإنفصام فى الشخصيةquot;.
هذا جزء بسيط جدا مما تزخر به المناهج التعليمية فى مصر، والضلع الثالث فى هذا التخريب لعقول ومستقبل مصر وهو المناخ العام الذى يحيط بالعملية التعليمية نتناوله فى المقال القادم.
[email protected]