مع تزايد المشاحنات الكلامية حول الملف النووى الإيرانى عادت العديد من الأسئلة تطل من جديد حول احتمالات إندلاع حرب وحول مستقبل الأمن فى الخليج. المتشائمون يرون أن هذه المنطقة موعودة بحرب جديدة كل عشر سنوات تقريبا (1979 بين العراق وإيران، 1990 بين الكويت ومعها قوات التحالف والعراق، 2003 حرب إسقاط صدام). أصحاب نظرية المؤامرة يرون أن الغرب والولايات المتحدة هم الذين خططوا لإشعال هذه الحروب وهم الذين يعدون العدة للحرب القادمة. نسى هؤلاء أن الذى حرك جيشه لمحاربة إيران هو صدام حسين وبدعم من الدولة العربية الخليجية وبمساندة عسكرية فى وقت ما خلال الحرب من مصر، وأن من حرك قواته لغزو الكويت هو صدام أيضا بدافع من عنجهية وغرور القوة، وإنه رفض كل النداءات الدولية للإنسحاب من الكويت وحماية جيشه من الهزيمة والعار والهلاك، ونسى هؤلاء أيضا أن من فتح مزاد تسخين المنطقة لحرب جديدة هو الملك عبدالله ملك الأردن عندما تحدث فى قلب واشنطن عن خطر الهلال الشيعى، ووصل الأمر بالرئيس المصرى حسنى مبارك بالتشكيك فى وطنية الشيعة حيث أتهمهم على الملأ بالولاء لإيران. الذين يتحدثون عن دور الغرب ينسون أن اغلب الكتابات الغربية الجادة نفت أن يكون هناك هلالا شيعيا سياسيا، ونسى هؤلاء أن الخلاف فى المنطقة أعمق بكثير من دور الغرب حيث يبدأ من مجرد تحديد أسم الخليج، فالخرائط الدولية والمنظمات الدولية حسمت الموضوع لصالح الخليج الفارسى فى حين أن الدول العربية فيما بينها تصر على تسميته بالخليج العربى على عكس كل دول العالم.
يبقى السؤال، أمن الخليج هل هو شأن خليجى أم عربى أم أقليمى أم أمريكى أم غربى أم دولى؟. نظريا كل هذه الدوائر يجب أن تساهم فى أمن هذه المنطقة الهامة من العالم ببترولها الذى يمثل شريان الحياة للأقتصاد العالمى. عمليا أمن الخليج خلال المائة سنة الأخيرة انتقل من بريطانيا إلى أمريكا التى تمثل الضامن الرئيسى لهذا الأمن بعد الحرب العالمية الثانية.
ولكن هناك الكثير من التحولات بالنسبة لأمريكا وإيران وبعض دول المنطقة خلال العقود الأخيرة حيث أختلفت الاولويات ولكن بقى الأمن مسئولية أمريكية بالدرجة الأولى.
أثناء الحرب الباردة كان احتواء الأتحاد السوفيتى هو المهمة الأمريكية الأولى، وكانت الولايات المتحدة تعتمد فى ذلك على حليفين رئيسيين فى المنطقة وهما إيران حتى سقوط الشاة والسعودية. منذ عام 1990 ركزت السياسة الأمريكية على الإحتواء المزدوج لكل من إيران والعراق. ومنذ عام 2001 ركزت الولايات المتحدة على إيران وملف الإرهاب الدولى. مع بروز الحرب على الإرهاب تبين إنه لم يعد الخطر على هذه الدول مصدره إيران وحسب بل الأخطر هو التطرف الداخلى فى بعض هذه الدول، وعليه بات إصلاح دول الخليج مطلبا أمريكيا وما ترتب على ذلك من أهمية الوجود الدائم للولايات المتحدة فى المنطقة لمحاصرة هذا الإرهاب من ناحية ولعدم ثقتها فى الإعتماد على هذه الدول- وخاصة السعودية- المتهمة بتفريخ هذا الإرهاب من ناحية أخرى. وأيضا مع بروز هذا الإرهاب تشعبت المخاطر، فلم تعد الاولويات تتمركز حول أمن الطاقة وأمن إسرائيل ومنع الإنتشار النووى ولكن أضيف اليها منع تحول بعض الدول إلى دول فاشلة كما فى حالتى اليمن ولبنان، ومنع تنظيم إسلامى راديكالى من السيطرة على إحدى الدول كما هو فى حالات حزب الله والاخوان وحماس، ومراقبة كل الأمور المتعلقة بالإرهاب استخباراتيا وماليا ولوجستيا.
على الصعيد الإيرانى تبدلت الاولويات أيضا من تصدير الثورة إلى تعزيز النفوذ الشيعى ومساندة الأقليات الشيعية وبناء تحالفات مع الجماعات الإسلامية الراديكالية بمختلف مذاهبها الشيعية والسنية. الفرق بين الدور الإيرانى والأمريكى فى الخليج أن الاول يسعى للنفوذ والهيمنة فى حين تسعى أمريكا لحماية مصالحها، فإيران ترى أن الخليج هو المجال الطبيعى والحيوى لبناء نفوذها.
على مستوى منطقة الخليج ككل، ومع بروز الظاهرة الإسلامية سنيا وشيعيا، تصدر النزاع السنى الشيعى الصدارة وتوارى نسبيا موضوع النزاع العربى الفارسى. والنزاع السنى الشيعى والمختزل فى الصراع السعودى الإيرانى هو الذى يهدد أمن المنطقة حاليا من لبنان إلى العراق إلى دول الخليج الست العربية. ومع هذا هناك تباينات بين دول الخليج العربية ذاتها على أولوية المخاطر، فقطر استعانت بالامريكيين للتوازن مع السعودية بالدرجة الأولى، أما البحرين ففى حالة هلع من الدور الإيرانى على تركيبتها الداخلية الهشة، فى حين أن الاتفاقيات الأمريكية الكويتية للحماية من إيران والعراق معا، أما الإمارات فهاجسها الاول هو إيران وإن لم يخلو الموضوع من خلافات حدودية بينها وبين السعودية. هذا التباين بين هذه الدول حادث أيضا فى درجة تعاملها مع الإرهاب الدينى، فالسعودية رغم جهود الملك عبد الله الإصلاحية مازالت مثقلة بالتطرف الدينى وغارقة فيه عكس الدول الصغرى المنفتحة عالميا والمتجهة بخطوات متسارعة نحو التسامح الدينى.
يظل التساؤل هل هناك حرب قادمة قريبا؟، فى تقديرى الإجابة بالنفى حيث أن امريكا لا ترغب فى مثل هذه الحرب شعبا وإدارة، وبالتأكيد دول الخليج العربية الصغيرة لا تريد هذه الحرب. . . . وسيتوقف الموضوع فى النهاية على درجة حماقة النظام الإيرانى، فحرب عامى 1979 و1990 كان الأحمق فيهما هو صدام حسين، وحرب عام 2003 كان الاحمق هو جورج دبيو بوش، والحرب القادمة إذا حدثت سيكون الاحمق هو احمدى نجاد وملالى الحرس الثورى. وبخلاف إيران المتسبب الرئيسى لهذه الحرب المرتقبة فأن ترتيب الدول حسب رغبتها فى هذه الحرب فى تقديرى كالاتى : فى المقدمة إسرائيل ويليها السعودية وبعض دول الخليج ثم بعد ذلك امريكا يليها الأتحاد الأوروبى. ونظرا للتوافق السعودى الإسرائيلى حول هذه الحرب فإن السعودية ستتحمل جزءا كبيرا من تكلفتها إذا حدثت.
إن الحرب خيار مكروه من العقلاء، ولكن الحماقة اعيت من يداويها كما قيل، وحماقة النظام الإيرانى قد تدفع المنطقة إلى الهاوية، فكل الأطراف لا ترغب فى الحرب ولكن ترغب فى وقف البرنامج النووى الإيرانى المتجه بوضوح نحو طموح إمتلاك القنبلة النووية. فلا إسرائيل ولا السعودية تستطيعان تحمل إيران النووية، وعند لحظة الحقيقة تنحاز الدول إلى مصالحها الحقيقية وما يتطلبه أمنها القومى، ومن هذا المنطلق جاء دعم السعودية لحرب صدام ضد إيران، ودعمها لحرب قوات التحاف ضد صدام، وسيكون دعمها لأية حرب تفرمل طموح إيران النووية وتحد من هوس الهيمنة التى تسيطر على قاداتها.
الحرب هى الإعلان الفج عن فشل الدبلوماسة أو هى عند البعض تكملة للعمل الدبلوماسى بوسائل أخرى، ونحن نأمل أن تنجح جهود الدبوماسية الدولية فى إقناع العقلاء داخل النظام الإيرانى بالتوقف عن اللعب بالنار... فالحروب هى اسوأ الخيارات فى العلاقات الدولية، وهى تعبير صريح عن وحشية الإنسان وقسوته التى تتضائل بجانبها وحشية الحيوانات المفترسة. . .
فالإنسان وبحق هو اقسى الحيونات.
التعليقات