لو أجتمعن نسوة العالم أجمع، ما حدث الحبل، ولو أجتمع رجاله، ماحدث أيضاً، لو أجتمع شاب درويش مع فتاة قروية لأنجبن دزينة أطفال. الطبيعة المادية، البيولوجية، الفكرية، السوسيولوجية، الطاقوية، لا تخضع لنظمها الداخلية ولاتنظم قوانينها الأساسية فقط، إنما لاتسمح، ولاترضى بالأستثناء، بأختراق وأنتهاك ميكانيزم وسيرورة تلك النظم والقوانين، وحتى مفهوم التطور، الذي أساسه مبدأ التناقض، يؤلف أبداعاً لصيرورتها، وأستنطاقاً لحيويتها، وتآلفاً لوحدتها. لذا ما يتخارج من هذه القاعدة ويتغارب عليها ليس إلا المرض نفسه، ليس إلا اللاقاعدي، الموهوم الجوازي. برهان غليون، المفكر الأستاذ، في مقال له الموسوم ب( العرب ومعركة تحجيم أسرائيل ) يؤكد ( نقتبس بالحرف وبأقتضاب ) ndash; الجدية التي يواجه بها الرئيس الأمريكي ياراك أوباما سياسة الأستيطان الأسرائيلي تشير إلى أن هناك فرصة جديدة للتقدم في الجهود العالمية للحد من معاملة إسرائيل كدولة أستثنائية أو فوق القانون.... تشكل هذه المعركة المقدمة الضرورية لمعركة عزل إسرائيل وتعرية سياستها التوسعية.
وهذه الجدية -....ليست بسبب عدالة القضية الفلسطينية أو الشعور بالشفقة... إنما بسبب الخوف على النظم السياسية الحليفة، والسعي إلى أمتصاص نقمة الشعوب العربية، وإعادة بعض الصدقية للسياسة الغربية، والحيلولة دون أن تسقط المنطقة أكثر في حضن السياسة الإيرانية، ومن ورائها في حضن الحركات الإسلامية والقومية المتطرفة.... ndash; ويستطرد -... هكذا تخيم على العرب حالة من الفوضى الفكرية والسياسية، ومن التفكك والتهلهل والضياع....
ويردف ndash;... بالمقابل يستدعي الحصول على نتائج واضحة في المعركة الجديدة الدائرة من حول تجميد الإستيطان اليهودي.... وفي أعتقادي إن دعم جهود الإدارة الأمريكية في تقليم أظافر الوحش الإستيطاني...يستدعي أتخاذ مبادرة نشطة...... وذلك على ثلاث محاور رئيسية... محور إعادة بناء المجتمعات العربية من الداخل، وهذا ما يستدعي البدء بإصلاحات عميقة.... تعيد الثقة للشعوب العربية وفيها... ومحور إعادة بناء التكتل العربي الإقليمي، وهو شرط أي رابطة جوار فعالة كتلك التي أقترحها أمين جامعة الدول العربية.. ولامانع أن يأخذ شكل تحالف أو تآلف أقتصادي أو كونفدرالي...
وأخيراً محور العلاقات الخارجية التي تستدعي ما ينبغي تسميته المصالحة مع العالم...). هذا المقال قد يؤلف مقدمة هيكلية في السياسة الأرتجالية، في أولويات سياسة ( هات وخذ ) وفي منطوقها الجامد المحض، لكنه لن يقارع أو يحاجج منطلقات الفكر السياسي، والسياسة البنيوية، إذ تعتوره إشكاليات تتربص بالسيولة الفكرانية فيه، وتفتقر ndash; تلك الإشكاليات - إلى إنارة في بعض زواياها الدامسة، لندقق ونمعن النظر فيها، الإشكالية الأولى: هل، ومن منطلق السمة التاريخية السائدة، السياسي هو الذي يقود الإقتصادي، وهل البنى الفوقية هي التي تقود البنية التحتية، وهل إسرائيل هي التي تقود الراسمال المالي البنكي الربوي الحالي، أو على الأقل، هل هي التي قادت الراسمالية الغربية، أم إن العملية في جوهرها وأبعاد قوانينها التاريخية معكوسة، أي، على الأقل، إن الرأسمالية الغربية هي التي حافظت، حتى الآن، على ديمومة دولة إسرائيل، وأقتضت، نتيجة كينونتها الداخلية، أن توظف هذه الدولة توافقاً وتطابقاً مع شرط وركن تطورها التاريخي. فلو تبنينا رؤية ndash; المقال ndash; لأصطدمنا بمفهوم الرغبة الإرادوية، على قاعدة القطيعة ما بين الواقعي والموضوعي، أو على الأقل على قاعدة إن الأسباب أعراض وليست جواهر، أما لو تبنينا الرؤية المقابلة، الرؤية التي تؤكد، في أدنى درجاتها، إن الإرادة ليست مدلولاً إلا لدالة في البنية التحتية، وإنها في علاقة جدلية حميمية مع التاريخي وحيثيات قوانين تطوره، لظفرنا بعلاقة محمودة ما بين التاريخي وتفسيره، ولأكتشفنا الجانب الرياضي الفيزيائي فيها، ولتخلصنا من المفهوم الشكلي للتاريخي الذي لايجسه إلا على قاعدة ( إن التاريخ هو أحداثه )، أي، وعودة إلى مفهوم السمة التاريخية السائدة، إن العنصر الأقوى في كل مرحلة من مراحل ( الإقتصادي العلمي ) ينمو بإضطراد مع دالته الخاصة، ويكبح ما يعيق، وينسف ما تعتق وبلي، وهذا ما يقودنا إلى الإشكالية التالية.
الإشكالية الثانية: إن التاريخ الحقيقي لايتصرف وفق قواعد ثابتة، لإنه تابع فيزيائي لمحتواه، ومحتواه يأبى، ويتنافى مع الفكر الجامد، والطريقة الجامدة، بل وحتى يتنافى مع شرط وركن أنطولوجية المحتوى ( السابق ) لإنه يتخطاهما ليستتب في وضعية جديدة. فالرأسمالية الغربية التي ( أحدثت ) إسرائيل، وأستخدمتها على غرار ثابت، تعرضت، هي الأخرى، لتغيير راديكالي في البنية الإقتصادية، وغدت توسم ب( رأسمالية ) الرأسمال المالي البنكي الربوي، التي لن ترضى بشروط العنف في المنطقة، لذا، قلنا في مقال سابق، ما مفاده ( إن لم تغير إسرائيل من أستراتيجيتها الحربية، وتتصالح مع ذاتها ودول المنطقة ) فإن الرأسمال المالي سوف يلفظ تاريخانيتها، ويستبدلها ببديل تتوافر فيه شرطها وركنها الجديدين. ونحن نعتقد إن هذا البديل ما فتئى يحبو ضمن أبعاد جنينية.
الإشكالية الثالثة: رغم إننا لانتفق أصلاً مع بنيوية هذا التصور، إلا إننا حباً في الجدل النظري، نؤكد ثمة شرخ وقطيعة ndash; من حيث الطبيعة - ما بين حيثيات هذه المرحلة المتقدمة من الرأسمالية، وما بين منطوق العدل، لإن الأولى، وبكل بساطة، إن ألتزمت بمحتوى الثاني أنتهت، وهذا هو التناقض بعينه، إذ كيف يلتزم السرطان بميكانيزم الخلية السليمة. من هنا تحديداً، لايمكن لمختبر معين أن يزعم الوسطية، فهو إما مع أو ضد، على قاعدة أساسية، لايماري فيها أحد، إن كلتي الحالين هما كنه مدلول التناقض الفعلي. ذاك التناقض الذي لاتخلقه الإرادة الحرة ولا شروط العدل، إنما يؤصله التناحر ما بين قواعد هذه الرأسمالية الجديدة، والأستنزاف المطلق للفرد المستهلك ( بفتح اللام ). وإذا ما أدركنا حقيقة هذا التصور، نعي تماماً العلاقة الصميمية ما بين منطوق الحرية والحضارة الغربية، ونعي أيضاً العلاقة الحديثة المتولدة ما بين أسباب السلم وقواعد الرأسمال المالي البنكي الربوي.
الإشكالية الرابعة: لأجل تقليم أظافر الوحش الإستيطاني اليهودي، يقترح برهان غليون، كمحور أول، إعادة بناء المجتمعات العربية من الداخل من خلال البدء بإصلاحات عميقة. وكأن هذه الإصلاحات عملية تفصيل طقم للزواج لايحتاج لكي يتم سوى إلى إرادة حرة. ويهمل، من الزاوية البنيوية، طرح السؤال التالي، من سيقوم بهذه الإصلاحات، من سيعيد بناء المجتمعات العربية من الداخل، اللاديمقراطية أم الشعوب الغائبة !!. هذا هو جوهر الأرتكاس والنكسة في هكذا خطاب، لإنه لايتمتع بالقوة التحليلية المعرفية في توضيح العلاقة ما بين الأسباب الموضوعية المحركة للنشاط التاريخي وبالتالي المولدة لتطوره، ومابين قوتها العلمية في الإقتصاد والسوسيولوجيا. وكذلك لإنه خطاب توافقي غير علمي لايشخص الحال المرضية المستشرية، ولايأبه بالعلاقة ما بين المقدمة والنتيجة، بل إنه يفترض النتيجة دون وجود المقدمة.
الإشكالية الخامسة: ويقترح، كمحور ثاني، إعادة بناء التكتل العربي الأقليمي، ولايمانع أن يأخذ شكل تحالف أو تآلف أقتصادي أو كونفدرالي. وهنا أيضاً لن نكرر السؤال، من سيقوم بإعادة بناء التكتل العربي الأقليمي، إذا كانت حال التجزئة هي الموازية للإرادة اللاديمقراطية، لكن نحبذ بيان العلاقة ما بين وعي الضرورة وحركة التاريخ، تلك العلاقة التي أقتضت إنشاء تآلف في البلدان الأوربية على قاعدة إحترام الدستور ومبدأ الديمقراطية، وتلبية لمتطلبات المرحلة الرأسمالية في إقامة أسواق دون قيود. وهذه العوامل الثلاثة هي التي قاربت ما بين طبيعة البلدان الأوربية، وهي التي تباعد ما بين طبيعة البلدان العربية، فهل النظام السوري مستعد ndash; من حيث طبيعة هذا النظام ndash; أن يؤلف كونفدرالية أو تآلف إقتصادي مع النظام المصري، على سبيل المثال، وهذا السؤال منقوص بما فيه الكفاية، لإن السؤال الحقيقي هو ما مضمون الأستعداد في هذا المجال، فإذا كان الأستعداد نتيجة رغبة أو أمنية أو حاجة معينة، فالأستعداد باطل، أما إذا كان الأستعداد يشكل جوهر العلاقة ما بين وعي الضرورة وحركة التاريخ، فهو المقدمة الموضوعية لإقامة أي تحالف، وأصلاً إذا ما توافرت هذه العلاقة، فإن الإرادة الموضوعية تسعى ndash; بحكم الوعي والضرورة وحركة التاريخ ndash; إلى بناء هذا التحالف. ( ملاحظة تعمدنا أهمال الجانب الفلسفي في هذا الخطاب )...
التعليقات