كنا ولا زلنا من الذين يميلون الى إعطاء فرصة ثانية للسيد المالكي ليكمل ما أنجزه، ولأن له تجربة أمتدت لأربع سنوات في إدارة دولة عصفت ولا زالت تعصف بها الكثير من المشاكل حيث تكيف الرجل مع تلك المشاكل. ونجح في حلحلة البعض منها، ورغم بعض التحفظات على أداء حكومته والطاقم الذي يحيط به، لكننا في الوقت نفسه نٌقدرعِظًم المسؤولية التي ألقيت على عاتقه، فمن تعقيدات عمل حكومة المكونات التحاصصية التي أنبثقت بعد مخاض عسير في وضع كان شديد التوتر حيث البلد يغرق في أتون حرب أهلية مدمرة، الى المشاكل مع الأخوة الكرد، وتدخلات دول الجوار السافرة بالشأن العراقي، مرورآ بالتعديات المستمرة على حدود العراق ومياهه الأقليمية، علاوة على الفوضى العارمة التي أعقبت أحتلال العراق نتيجة لأنهيار بعض أجهزة الدولة ومؤسساتها وحل البعض الآخر، والأرهاب القادم من وراء الحدود، والذي كان يسيطر على مساحات شاسعة من أرض العراق بحجة الجهاد، والتجاذبات والمماحكات السياسية بين الكتل وأرتباط الكثير من هذه الكتل بأجندات خارجية ورغم كل تلك الأمور الشائكة الشديدة الصعوبة والتعقيد أستطاع نوري المالكي أن يخرج العراق من عنق الزجاجة الى بر الأمان بخطة فرض القانون التي أحبطت مخططات تقسيم العراق.


قعطآ نحن لسنا هنا بصدد التغطية على أخطاء هذه الحكومة أو تبريرها أذ إن هنالك الكثير من النقاط السلبية التي أرتكبت خلال السنوات الأربع المنصرمة، وأهمها التهاون في مكافحة الفساد (حيث الثراء الفاحش لبعض أعضاء حزب الدعوة والذين أنحرفوا بكل تأكيد عن رسالة الشهيد محمد باقر الصدر)، والانتصاف للمظلومين وأعادة حقوقهم، وأستخدام القوة المفرطة ضد شريحة أساسية من شرائح المجتمع العراقي ونقصد هنا التيار الصدري، إلا أننا نرى أن حكومة المالكي تبقى النواة الأولى لعودة العراق وتماسكه من جديد بعد الدمار الهائل الذي لحق به.


ومن خلال نظرة واقعية على نتائج الأنتخابات العراقية وما أفرزته وبعيدآ عن العواطف يتضح لنا بما لا يقبل الشك بأن أنتخابات عام 2010 لم تحدث تغييرآ جذريآ في اتجاه تصويت الناخب العراقي حيث انحسر اختيار الناخب العراقي بشكل عام بخطين رئيسيين هما الأثني والمذهبي وهذا يقودنا الى حقيقة أن العراق لا يزال بعيدآ عن مفهوم الثقافة الانتخابية التي تقوم على مبدأ البرنامج الانتخابي للمرشح وما يتعهد به من أصلاح سياسي، وأقتصادي، وأمني، أضافة الى هاجس الخوف وفقدان الثقة والتي لعبت دورآ في تحديد خيارات هذا الناخب،حيث تحتاج هذه التجربة الأنتخابية بعد تصحيحها لكي تترسخ وتصبح هي السبيل والطريق الوحيد لمن يريد أن يكون في سدة المسؤولية الى فترة زمنية وعمل مستمر دؤوب للتثقيف بها لتقليل الأضرار الناتجة عنها وهي الأفرازات المذهبية والأثنية لنصل بها الى أرفع درجاتها أي الأنتخاب على أساس البرنامج الانتخابي الذي ذكرناه ووطنية المرشح، وعودة على نتائجها نرى بأن الأصطفافات الطائفية والحزبية هي التي فرضت نفسها أخيرآ والتغيرات التي طرأت عليها شكلية لا ترتقي الى مستوى التفاؤل الكبير في الوقت الحاضر.


ويدور حاليآ جدل في العراق وحتى في دول الأقليم كلام حول طبيعة وشكل النظام السياسي الذي سوف يتشكل بعد هذه الانتخابات. فالتدخلات الاقليمية والدولية لها بصماتها الواضحة، فقد بدأ الترويج منذ الآن لمصطلح الشراكة الوطنية وهو تعبير فضفاض بديل عن مصطلح حكومة الوحدة الوطنية أو بالمعنى الدقيق حكومة محاصصة تشارك فيها جميع الكتل التي فازت بالأنتخابات، والسؤال المطروح والذي يتبادر الى ذهن كل مواطن عراقي أو أي متابع للشأن العراقي هو من سوف يراقب عمل الحكومة ويفضح أخطاءها ويحاسب وزراءها ويصوب أداءها أذا أشتركت جميع الكتل الفائزة فيها، ولماذا أصلآ تًحَمٌل كل هذا العناء والأسراف والتبذير والمخاطرة بحياة العراقيين لأجراء الانتخابات اذا كان الأمر كله في النهاية عبارة عن شراكة ومحاصصة؟


إن إصرار القائمة الوطنية العراقية المنافسة لقائمة دولة القانون على تشكيل الحكومة وطرح اسم رئيسها أياد علاوي الطامح بقوة لرئاسة الوزراء والمتحفز لقيادة انقلاب كبير كما أفاد بعض المحللين والمتابعين للشأن العراقي بتشجيع من بعض دول الجوار والتي تستقبله على أعلى المستويات كما لو كان رئيس الوزراء الفعلي أو رئيس الجمهورية، قد أثار القلق من عودة الأمور الى الوضع السابق حيث المخاوف والهواجس لا زالت قائمة وهذا أمر طبيعي نتيجة لتراكمات تأريخية مؤلمة وسًرٍع في الوقت نفسه الحاجة الى دمج الأئتلافين(دولة القانون والوطني) بقوة لأنشاء كتلة كبيرة في البرلمان القادم لقطع الطريق على مثل هكذا سيناريو، وفي نفس الوقت أيقظ أصوات كنا وكثير من شرفاء العراق ووطنييه قد أخمدناها كانت تطالب بفيدرالية لعشرة محافظات في جنوب العراق ووسطه وهذا هو أخطر ما في الأمر.


لذلك نهيب بقادة العراقية وتياراتها وجمهورها الوفي والذي هو جزءآ عزيزآ من شعب عظيم أن يسموا فوق الصغائر ولا يعرضوا وحدة العراق للخطر ولا يٌشمتوا أعداء العراق والمتربصين به، الطامعين في خيراته، المتلهفين لأشعال نار الفتنه بين أبناءه، وندعوهم الى نكران الذات والأيثار في سبيل العراق وأن يأخذوا بالحسبان تعقيدات الأوضاع العراقية الراهنة بكل تفاصيلها، وحتى ولو كانوا معارضة قوية في البرلمان تصوب عمل الحكومة وترصد أخطاءها وتحاسبها، وخطوة مثل هذه سوف تفرض أحترام الشعب لهم بكافة أطيافه وسوف تتعزز الثقة ويزول الاحتقان ويزداد التلاحم الوطني ويطمئن الجميع،أما الهرولة الى دول الجوار الملطخة أيديها بدماء العراقيين فلم يجلب إلا الحلول الطائفية الهشة على الطريقة اللبنانية.


[email protected]