ـ مؤتمر لدعم quot;المقاومة العراقيةquot; في اسطنبول في العاشر من نيسان ـ
خلعتِ الطربوش واعتمرتِ القبعة لكن ماتحتهما بقي عصملياً على الرغم من تحوّل وتبدّل الأزمنة. لُبّها عسكر وجندرمة وانكشارية وقشرتها ديمقراطية. نصف في اوروبا ونصف في آسيا حتى لكأن الجغرافيا تسخر منها! تقرّع اسرائيل في العلن وفي السرّ تُمدّ لها يداً ناعمة وتعقد معها أعتى الصفقات العسكرية. تتباكى على أحوال المسلمين في الوقت الذي تقطع المياه عن العراقيين لتجفّ أرضهم ويذبل شجرهم وينفق حيوانهم. تقيم السدود العملاقة لخزن كميات مهولة من المياه وتسرّب لنا مجرد قطرات غير مأمونة العواقب لتلوثها. ارث عصملي مثال للاستبداد والظلام بعباءة اسلامية. تمسّحوا بخلافة وصلت حدّ التهرؤ فزادوها تهرؤاً وهراءً حدّ أن أنظمتهم العسكرية المطربَشَة كانت تمنح مخصصات للكرش والشوارب! واذا كان كمال أتاتورك (واللقب يعني أبو الأتراك) تمكّن في العام 1924 من طرد آخر quot;خليفةquot; ملغياً بذلك نظام الخلافة العثماني فإنه لا هو ولا من أعقبه من الحاكمين والساسة كان بإمكانه طرد أو ازالة ما علقَ ببزة تركيا العثمانية أو الأوروبية، العسكرية أو المدنية من أوحال التاريخ وأدرانه. فمن المناطحة بين دولتَي الخروف الأبيض والخروف الأسود وقسوة وفظاظة الولاة الأتراك وفسادهم الذي تُضرب به الأمثال وتتحدث به الحكايات كعجائب، الى السفربرلك وحروبهم الدونكشوتية لبسط الخلافة العثمانية، حتى أبواب النمسا، الى مذابح الأرمن الشهيرة في العام 1915. لم تتعلم تركيا، رغم خلعها الطربوش والعمامة ونبذها الأبجدية العربية واستنجادها بالحروف اللاتينية، لم تتعلم بعد مبدأ أو روح الإعتذار، الاعتذار الضروري عن جرم فادح كمجازر الأرمن أو غيرها التي اقترفها أسلافهم. إذاً ما هي المسافة بين تركيا أمس واليوم، تركيا الأمس بسلاطينها المتخلفين وتركيا اليوم التي تُباهي بتخليها عن الجبة لصالح البدلة الأوروبية؟ لكن بدلاً عن الإعتذار والندم الضروري الذي يجب أن يُشهر للفظائع المقترفة بأظافر وسيوف عثمانية اخذت تركيا تزبد وتتوعد بسبب قرار لجنة في الكونغرس الأميركي، مؤخراً، ووصفه لمقتل أكثر من مليون أرمني بالإبادة الجماعية ابان الحرب العالمية الأولى. فهل اختار الأتراك الرد على الأميركيين رغم ما نُقل عن معارضة ادارة اوباما لقرار الكونغرس في الساحة العراقية؟! شأن كلّ بلد يُستضعف ويُفترس كما ان وقوفهم الى جانب الإيرانيين في quot;مأزقهمquot; النووي ما هو الا نكاية بالأميركيين والأوروبيين الذين يسعون الى اقرار عقوبات جديدة بحق طهران على خلفية أجندتها النووية. وليس بعيدا عن ذلك أي التعاطف التركي مع طهران وما يسمى المقاومة العراقية فهو يأتي أيضاً في اطار ردّة الفعل للرفض الأوروبي الذي جوبه ويجابَه به الأتراك وهم يلحّون على الالتحاق بأوروبا وقد طال بهم الإنتظار على بوابتها، هذه البوابة التي ما انفكت تركيا تقرعها وإن كانت بيد ملطّخة بدماء الأبرياء العراقيين عبر دعمها لفلول النظام السابق الملتحفين بعباءة quot;المقاومة العراقيةquot;. ما معنى ان ترعى هذه البلاد وهي الجارة القوية مؤتمراً يُخطّط فيه لقتل العراقيين والتآمر على حياتهم ونظامهم الذي اختاروه وصوتوا له بدمائهم والحبر لم يكد يجفّ بعد في أصابعهم فيما تجربتهم الديمقراطية تترسخ يوماً بعد يوم. مؤتمر بدعوى دعم quot;المقاومةquot; وثمة ألف علامة وعلامة استفهام حول هذه quot;المقاومةquot; التي تتخذ من أجساد العراقيين وأرواحهم ومستقبلهم ومصائرهم ملعباً وساحة لها قبل أي شيء آخر. حفنة من القومويين الطائفيين المحتقنين ممن تشهد لهم كوبونات النفط ينصبّون من أنفسهم أوصياء على الشعب العراقي وهم فشلوا أصلاً في تمثيل شعوبهم فكانت الشتائم تطاردهم وهم في عقر دارهم كما وقع لسليم الحص عندما كان المتظاهرون تحت بيته في محلة عائشة بكار في بيروت يسمعونه ما لايحب من الهتافات قبل نحو ثلاث سنوات. يتنطعون الآن لمهمة ليست من شأنهم بحجة الدفاع عن العراقيين وتحريرهم! فما الذي فعله هؤلاء للعراقيين طوال أكثر من عقدين، بشكل خاص، من محنتهم وابتلائهم ببطش وانتهاك أعتى وأقسى نظام حكم عرفته المنطقة بل العالم بأسره. لكن حين سقط نظام الجريمة وكان يجب أن يسقط بأي شكل انتفض هؤلاء وتنادوا الى الثأر لسقوط quot;نظامهمquot; لكن تحت ستار مقاومة الاحتلال، وتناسوا انّ العراقيين هم وحدهم من يتكفّل بهذه المسألة أي اخراج الاحتلال وبالطريقة التي تناسب مصلحة بلدهم. اما عن العراقيين المنخرطين بهذه quot;المقاومةquot; فالسؤال الجوهري الذي يشي بطبيعتها وتوجهها والذي يتبادر للجميع هو كم عدد ضحايا أعمال هذه quot;المقاومةquot; من الشعب العراقي مقارنة بالامريكان أو القوات التي كانت تعمل معها وعلى مدى السبع سنوات؟ وكم هو حجم الخراب الذي أصاب البلاد وبنيتها التحتية بشكل خاص جراء هذه الأعمال؟
إذاً ما لذي سيناقشه المؤتمرون في اسطنبول؟ هل هو الإجماع على الفتك أكثر بأرواح الأبرياء من العراقيين وممتلكاتهم ومؤسساتهم وعدم توفير أي شيء قتلاً وتخريباً؟
مؤتمر للمقاومة العراقية في اسطنبول quot;لتحريرquot; العراق في بلد هو ذاته يحتل أراضي الغير بالقوة فإن كانت تركيا تسعى لتحرير العراق وتتضامن مع quot;المحررينquot; وتدعمهم ولندع الحديث عن (انجرليك) وما تعنيه فلمَ لا تعيد لواء الأسكندرون لسوريا هذه الأخيرة التي تدعم بدورها عمليات القتل وكل انواع الارهاب بالعراق بدعوى المقاومة والتحرير أيضاً! في الوقت الذي تعقد فيه صفقات شراكة ستراتيجية مع من يحتل أرضها أي الأتراك. اما الجولان فيبدو ان النظام في سوريا متمسك حتى آخر رمق بقناعة ان طريق المفاوضات وحده الذي سيعيد له حقوقه، في الوقت الذي يحرّم ذلك على الغير بل ويخوّنهم لو عملوا به. انها سريالية عربية شرقية بامتياز!
ويبقى السؤال أو الأسئلة الأهم في ما يتعلق بهذا المؤتمر ويخصنا نحن العراقيين، هو، ما سرّ صمت الحكومة العراقية ازاء حدث مثل هذا بالغ الخطورة والدلالة؟ وما الذي يمكنها ان تفعله من أجل منع انعقاده؟ وهل صدرت منها أية ردة فعل حيال تركيا ولو دبلوماسياً؟ أم انّ لا شيء سيعكّر صفو العلاقات مع الجارة المدجّجة حتى عيونها سلاحاً بكلّ أنواعه بما في ذلك سلاح المياه! وانّ الصفقات التجارية الكبرى والمشاريع المبرمة معها ستبقى على ما هي عليه وربما ستزداد؟
ألا يكون من المنطقي مواجهة تركيا بحقيقة انّ ما تقوم به هو دعم وتقوية للارهاب الذي طالما عانت هي منه ذاتها؟
واذا كانت الحكومة العراقية عاجزة عن الضغط على الأتراك في كثير من الميادين فليكن سلاح الإقتصاد والتجارة بيدها وهذا أضعف الإيمان*.
هامش مضاف لاحقا الى المقال
* قبل يومين صرّح مسؤول تركي ان حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا يقترب من 9 مليار دولار سنوياً.
التعليقات