أصارحكم القول بأنني فوجئت و لربما لم أصدق للوهلة الأولى التصريح ( الصدمة ) الذي أطلقه نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية دولة الكويت سعادة الشيخ الدكتور محمد صباح السالم الصباح و المتعلق بنفيه التام و المطلق لخطورة الدور السياسي الإيراني على الأمن القومي العربي و وصفه للأحاديث و التحليلات المتعلقة بذلك بوصفها مجرد ( كلام فاضي )!!، كان مبعث الدهشة و المفاجأة و الإستغراب ينبثق أساسا من كون الدكتور محمد الصباح هو واحد من أكثر الدبلوماسيين العرب دراية و معرفة و خبرة أكاديمية و ميدانية، كما أنه خريج معاهد و جامعات عريقة إضافة لرصيده المعروف في مرسسة السلطة و الحكم في الكويت فهو واحد من الأسماء اللامعة كما أنه ولأدبه الجم و تواضعه الواضح يمثل مدرسة دبلوماسية خليجية و عربية راقية الفحوى و المضمون و التوجه، ولاشك في أن حرص الشيخ الكريم على الأمن و السلام الإقليمي و تشيتثه بالدبلوماسية الإيجابية و إيمانه المفرط و الراسخ بضرورة حل جميع المشاكل الإقليمية و الدولية العالقة وفقا لمباديء الحوار و التفاهم الدبلوماسي و الإبتعاد التام عن التصعيد و المواقف الحدية وتلك مهمته وواجبه الأساس إلا أنه في نفيه التام و المطلق بل و سخريته من حقيقة الدور الإيراني التصعيدي و التحريضي و الضار بالأمن الخليجي و بالأمن القومي العربي هو بمثابة إبتعاد حقيقي عن ملامسة الواقع و تشبث كبير جدا بالدبلوماسية بحدودها القصوى، و أعتقد أن شيخنا الجليل يعلم جيدا بتاريخ العالم المعاصر وهو خبير أيضا في تاريخ العلاقات الدولية و لا شك انه مطلع على تاريخ اوروبا المعاصرة و كيف أن الدول الأوروبية قد وقعت في فخ الدبلوماسية النازية الهتلرية في مؤتمر ميونخ لعام 1938 حينما صمتت دول اوروبا عن سياسة التوسع العسكرية الألمانية و تنفيذها لسياسة المجال الحيوي في اوروبا مما أدى في النهاية لنشوب الحرب العالمية الثانية، فهتلر لم يكن يبحث عن السلام المتكافيء بل عن الهيمنة الألمانية و التحلل من كل المعاهدات و الإتفاقيات السابقة!، وقد وقع الإنكليز و الفرنسيين في الفخ الدبلوماسي الألماني حين تغير المشهد السياسي بعد شهور و أجتاحت الجيوش الألمانية دولة بولندا في خريف 1939 فاتحة أبواب جهنم الحرب العالمية الثانية التي حصدت أرواح أكثر من خمسين مليونا من البشر ليتغير مع نتائجها التاريخ الدبلوماسي و السياسي للعالم!

الدور الإيراني التخريبي و السلبي و الضار ليس مجرد كلام فاضي أبدا، و ليس مجرد أوهام أو حملات دعائية متوترة، فليس من مصلحة الخليجيين و لا العالم العربي توتر العلاقات و المصالح مع الشعب الإيراني الصديق و الشقيق، و ليس من منهج دول الخليج العربي أو العالم العربي تدمير إيران أو تجزئتها أو فرض حكام معينين عليها، و لم تفتح دول الخليج العربي ( مجمعات و مؤسسات لتصدير النموذج الخليجي أو العربي لإيران )!! كما لم تفتح دول الخليج العربي و لا الجامعة العربية و لا أي دولة عربية ( مكاتبا لتحرير إيران من حكامها )؟ لا بل أن الدول العربية بأسرها و النظام العربي برمته قد صمت و سكت و تجاهل و صم اذنيه تماما عن دعم و مساندة أخواننا العرب في الأحواز العربية المحتلة رغم وجود قرار قديم و رائد من مؤتمر القمة العربية في القاهرة عام 1964 يدعو لمساندة الشعب العربي الأحوازي في عربستان؟ الدول العربية و الخليجية لا تصدر عمالها و شغاليها و حرسها الثوري و رجال أمنها المتخفين للعمل في إيران؟ كما أن الدول العربية ليست في وارد التبشير الديني أو المذهبي؟ كما أن دول الخليج العربي لا تمتلك ( فيالق قدس ) تصدر من خلالها مفاهيمها العدمية و رجال حرس ثورتها لأحداث القلاقل في إيران أو تخريب موسم الزيارات في ( قم ) و مشهد ) أو لتخريب ضريح المجرم المجوسي أبو لؤلؤة فيروز قاتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ( رض ) و القائم في ( كاشان ) وهو ضريح ( بابا شجاع الدين )!! الذي سبق و كتبنا عنه؟ دول الخليج العربي و العالم العربي لا تساند أبدا المعارضين الإيرانيين و لا تفتح أبواب محطاتها التلفزية أو الإذاعية لهم بل لا توفر لهم حتى حق الدخول؟ و أعتقد أن الدول العربية لا تقاطع او تجرم أي دولة لا تقول بعروبة الخليج و تصر على فارسيته، هذا التاريخ أمامنا منذ بداية القرن الماضي و ليس اليوم فقط، وقراءة مبسطة و غابرة له ستؤكد من أن الأمة العربية و الخليج العربي في العشرين من هذا الشهر ( نيسان ) ستحتفل بمرور 85 عاما على نكبة العرب الأولى في عربستان و الإحتلال الإيراني للأحواز و غدر المقبور رضا شاه بشيخ المحمرة و عربستان الشيخ خزعل الكعبي و إجتياح الجيوش الفارسية لذلك الإقليم العربي و تمركزها حتى اليوم بعد أن تحولت الأحواز لقاعدة عسكرية و تعبوية مهمة في رفد جهود و مخططات الحرس الثوري الإيراني في العراق و الخليج العربي و حتى العالم العربي؟ ولماذا نذهب بعيدا.. ألم تعاني الكويت تحديدا من مؤامرات الحرس الثوري و عملائه من الجماعات العراقية الطائفية في تفجيرات ديسمبر 1983 المعروفة و التي كانت مقدمة لحوادث أدهى و أمر كان أهمها حادث محاولة إغتيال الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله في 25 مايو 1985؟ من خطف طائرة الجابرية عام 1988؟ و من المسؤول عن مصرع رجال الكويت و شبابها في تلك العملية التي شهد مطار ( مشهد ) واحدا من أشد فصولها غموضا و تواطيء!!

لا أعتقد إنني بحاجة لإيراد و إستحضار ملفات التاريخ القريبة و البعيدة للتأكيد على خطورة الدور التدميري للسياسة الإيرانية العقائدية الموجهة ضد الأمن الخليجي و الأمن القومي العربي لأن ذلك يتطلب مني تأليف كتاب و ليس مقال عابر؟ عموما الموضوع واسع و متشعب و سأعود له تفصيليا خلال الأيام القادمة، و لكنني فقط أقول لمعالي الشيخ الدكتور محمد صباح السالم إن العقلية السلطوية القائمة في طهران لا تعترف بصيغة إسمها الأمن القومي العربي لسبب بسيط هو كونها تسعى لإسقاط جميع الأنظمة العربية و في طليعتها أنظمة دول الخليج العربي و فيالق الغدر و التجسس و الخلايا النائمة متواجدة لتنفيذ أهداف ( اليوم الموعود ).. في 2/8/1990 فوجئت الكويت على حين غرة بتحول فراش الوزارة لضابط مخابرات عراقي بساهم بنشاط في عملية الغزو و الإجتياح في ليل بهيم!! مما وجه طعنة نافذة للأمن القومي العربي، و اليوم لا شيء يمنع أبدا من تكرار السيناريو بنكهة إيرانية!! فكل الظروف مهيئة بالكامل.. المشكلة في عالمنا العربي أنه لا أحد يتعظ أو يتعلم من دروس الماضي.. و تلك هي المعضلة... إن العقلية السلطوية السائدة في طهران تؤكد قول الشاعر العربي القديم القائل

إن تكن سائلا عن أصل دينهم فإن دينهم أن تقتل العرب...!!

تهديد النظام الإيراني للأمن القومي العربي ليس مجرد ( كلام فاضي أبدا ).. بل أنه مليء بكل معاني الغدر الذي أغمضت عنه العيون... خوفي من تكرار مأساوي لسيناريو الثاني من أغسطس عام 1990 بنسخة و نكهة إيرانية منقحة و مزيدة.....

في الفم ماء كثير و لكنني أكتفي بهذا القدر، فالقوادم من ألأيام تخفي تحت طياتها الكثير.. و الله يستر...

[email protected]