كتب الفيلسوف الإغريقي أبيقور قبل 23 قرناً يقول:quot; لا شيء يمنع من وجود عدد لا متناهي من العوالم quot; وقد اكتشف العلماء مؤخراً أكثر من 400 نظام شمسي يشبه نظامنا

الجزء الأول

الشمسي في مجرتنا وحدها، يبعد بعضها عنا بـ 400 سنة ضوئية أو أكثر، والعدد مرشح للزيادة في كل عام وقد يصل العدد إلى مليار كوكب يشبه الأرض، ويدور حول نجم من نجوم المجرة تتوفر فيه نفس الشروط والظروف المتوفر لنا لكي تنشأ الحياة فيه بنفس الصيغة التي تمت فيها على أرضنا.وبعض هذه النجم يبعد عنا بـ 6000 سنة ضوئية رصدها القمر الصناعي كبلرkepler الذي يقوم حالياً برصد مجموعة من النجوم التي تبعد عن مجموعتنا الشمسية بـ 600 إلى 1800 سنة ضوئية، والحال أنه في كل لحظة تولد نجوم جديدة وتموت نجوم عجوزة في مجرتنا، وفي كوننا المرئي، وفق قوانين الكون الجوهرية الأربعة وهي القوة النووية الضعيفة والقوة النووية القوية أو الشديدة والقوة الكهرومغناطيسية وقوة الثقالة أو الجاذبية. ولكن ماذا لو ألغينا إحدى القوى الكونية الجوهرية الأربعة الرئيسية والمسيرة للكون interactions ou forces fondamentales؟ هذا ما تجرأ على القيام به العالم جلعاد بيريز jelaad perez وفريقه العلمي عندما قرر إلغاء إحدى تلك القوى الجوهرية، التي بدت كلها ضرورية ولا غنى عن إحداها في مسيرة الكون وصيرورته. فبدون القوة النووية القوية أو الشديدة وتفاعلها مع القوى الأخرى، والتي تقوم بربط الكواركات quarks على شكل بروتونات protons ونيوترونات neutrons وهذه الأخيرة على شكل نوى ذرية،، لن يكون بوسع المادة أن توجد. وبدون القوة الكهرومغناطيسية eacute;lectromagneacute;tique لن يكون هناك ضوء و لا ذرات ولا علاقات أو تفاعلات كيميائية. وبدون قوة الثقالة أو الجاذبية لا يمكن للمادة أن تتجمع لتشكيل الكواكب والنجوم والمجرات. أما القوة الرابعة، وهي القوة النووية الضعيفة، فلها تأثير أقل من القوى الثلاثة الأخرى على تاريخ كوننا المرئي وصيرورة نشوئه لكن ذلك لم يمنعها من أن تلعب دوراً مهماً في استمراريته، ومن بين تأثيراتها العمل على تحويل البروتونات إلى نيوترونات وبالعكس. ففي اللحظات الأولى للكون اندمجت كل أربعة بروتونات معاً وبفعل القوة النووية الضعيفة تحولت إلى نواتات أو نوى الهليوم أربعة noyauxdrsquo;heacute;lium4 المكون من 2 بروتون و 2 نيوترون، وإن هذه التركيبة الذرية جرت بعد الثواني الأولى لولادة الكون عندما برد بما فيه الكفاية لكي تتكون الباريونات أو الوحدات الفيزيائية Baryons، أي البروتونات والنيوترونات، إلى جانب كونه ساخن بما فيه الكفاية لكي تندمج معاً، وإن هذا التفاعل الذري الأولي أو البدئي هو الذي خلق الهيدروجين والهليوم اللذين قاما بدورهما بتكوين النجوم فيما بعد حيث أن الاندماج النووي بجانب تفاعلات وصيرورات أخرى أدى إلى انبثاق باقي العناصر المعروفة في الطبيعة.

ومايزال انصهار وذوبان البروتونات وتحولها إلى هليوم 4 مستمراً إلى يومنا هذا داخل شمسنا ويولد الطاقة الضوئية والحرارية التي تحتاجها الحياة على الأرض وباقي الكواكب الدائرة حولها، وبالتالي بات من غير المحتمل وجود كون فيه تفاعلات كيميائية معقدة بدون القوة النووية الضعيفة حسب القوانين التي تحكم وجودنا الحيوي والتي اكتشفها الإنسان. ومع ذلك اكتشف جلعاد بيريز وفريقه العلمي سنة 2006 قوانين فيزيائية لا تستند إلا على ثلاثة قوى كونية جوهرية وليس أربعة، وبرغم ذلك تؤدي إلى خلق كون قابل لنشأة الحياة فيه رياضياً طبعاً استناداً إلى طريقة المحاكاة الرقمية simulation numeacute;rique، أي أنه كون افتراضي univers virtuelle.

إن إزالة أو إلغاء القوة النووية الضعيفة interaction nucleacute;aire faible من معطيات وبيانات ومعلومات أدخلت للكومبيوتر من أجل تجربة المحاكاة الرقمية، تطلب تعديل النموذج القياسي الستاندارد modegrave;le standard لفيزياء الجسيمات physique des particules وهي النظرية التي تصف وظائف كافة القوى الجوهرية للكون عدا الثقالة أو الجاذبية gravitation، وأظهرت التجربة الرقمية إن إعادة الضبط والمطابقة والإحكام يمكن أن تتم بطريقة تتيح للقوى الجوهرية الأساسية الثلاثة الباقية، ومعها بعض الثوابت paramegrave;tres الأخرى الحاسمة، مثل كتلة الكواركات، أن تفرز قوانين فيزيائية لكون يشبه كوننا، كما أثبتت التجربة إفتراضياً virtuellement، إمكانية وجود مجموعة أخرى من الأكوان مأهولة وقابلة لاحتواء الحياة فيها حتى بدون القوة النووية الضعيفة من غير أن تكون بالضرورة شبيهة بكوننا المرئي الذي نعرفه وندرسه. ففي الكون الخالي من القوة النووية الضعيفة، الذي صممه جلعاد بيريز وفريق عمله العلمي، لا يمكن إنصهار أو اندماج البروتونات وتحولها إلى هليوم 4، ولكن توجد وسائل وطرق أخرى لتغذية عملية الاندماج النووي داخل النجوم التي ستقوم بدورها بإفراز أو خلق العناصر الثقيلة eacute;leacute;ments lourds. فعلى سبيل المثال، يحتوي كوننا حالياً على المادة matiegrave;re وعلى قليل جداً من المادة المضادة antimatiegrave;re عكس ما كان عليه الحال في لحظة ولادة كوننا المرئي حيث كانت كمية المادة تكاد تساوي كمية المادة المضادة، ولكن مجرد إحداث تعديل طفيف على الثابت أو الدال الذي ينضم التناسب والتجانس بين النقيضين وهما المادة والمادة المضادة، يتغير القانون الفيزيائي حيث يتوفر معطى يكفي أن تنجب أو تولد التركيبة النووية البدئية والجوهرية nucleacute;osynthegrave;se primordiale كمية هائلة من الدوتريوم deutrium وهو خليط متماكن يمكن اعتباره أحد نظائر الهيدروجين، الذي تحتوي نواته على النوترون والبروتون. حينئذ يمكن أن تصبح النجوم مقراً لعمليات اندماج وذوبان لبروتونات نواتات أو نوى الدوتريوم مكونة بذلك الهليوم 3 ذو النيوترون واحد وبروتونين. فهذه النجوم الخالية من القوة النووية الضعيفة هي أبرد وأصغر حجماً من النجوم التي نعرفها في كوننا المرئي. وحسب تجارب المحاكاة التي أجراها العالم آدم بيرو Adam Burrows من جامعة برينستون الأمريكية، تبين أن هذه يمكنها أن تضيء لمدة 6 مليار سنة وتشع بقوة تعادل نسبة مئوية لا بأس بها من قوة إشعاع شمسنا. وهذه النجوم قادرة، على غرار شمسنا، إنتاج أو تركيب syntheacute;tisaient عناصر أكثر فأكثر ثقلاً كالحديد، من خلال التفاعل والاندماج النووي بيد أنها لن تستطيع إنتاج عناصر أثقل من الحديد الناجم من أسر نيوترونات إضافية واقتناصها من قبل النواتات أو النوى، والتي تسمى السيرورة س processus S وإحتمال تحويلها إلى بروتونات فيما بعد. والحال أنه، وبغياب القوة النووية الضعيفة فإن النيوترونات المتوفرة ستكون شحيحة ولن تتحول، هناك فقط كميات قليلة من العناصر الثقيلة مثل السترونتيوم strontium يمكنها أن تتحول ولكن بواسطة آليات وميكانيزمات أخرى، داخل النجوم الخالية أو المجردة من القوة النووية الضعيفة.

يوجد في كوننا المرئي نجوم ضخمة وذات كتل ضخمة أكبر من شمسنا بمئات أو آلاف الملايين من المرات، غالباً ما تتعرض لانفجارات هائلة تحدث في أعماق الكون وتسمى المسعار الكبير أو السوبرنوفا supernovae حيث تنفث في الفضاء عناصر مركبة eacute;leacute;ments syntheacute;tiseacute;es وتقوم بدورها في نفس الوقت بتركيب syntheacute;tisent عناصر ثقيلة أخرى. فالمسعار الكبير supernovae ينجم عن الإنهيار الثقالي efondrement gravitationnel لقلب النجم ذو الكتلة الهائلة، وإن الطاقة المنبعثة عن هذا الانفجار من القوة والضخامة بمكان تجعلها تؤدي إلى حدوث ردات فعل نووية تنتج إبان الانفجار وتولد engendrent النظائر isotopes الأكثر ثقلاً كالرصاص والذهب واليورانيوم. وبسبب ضعف إضاءة النجوم في الكون الذي يفتقد للقوة النووية الضعيفة، فسوف يتعين على كوكب يشبه كوكبنا الأرض أن يكون أقرب إلى نجمه أو شمسه من قرب أرضنا من شمسها حتى يتلقى الطاقة الضوئية والحرارية المطلوبة واللازمة لنشأة وإدامة الحياة وبذلك ستكون الكواكب التيلليريكية plantes telluriques مختلفة عن نظيراتها في كوننا المرئي. فعلى الأرض مثلاً، تشحذ احتكاكات tectonique الصفائح الأرضية الأنشطة البركانية بفعل التفككات deacute;sinteacute;grations والإنشطارات الإشعاعية radioactive لليورانيوم والتوريوم thorium في الغطاء أو المعطف الأرضي manteau، وبدون هذه العناصر الثقيلة فإن أي كوكب صخري صلد سيحتوي على جيولوجيا بسيطة وفقيرة إلا إذا وجد مصدراً بديلاً للحرارة. أما كيمياء الكون الخالي أو المفتقد للقوة النووية الضعيفة فهي تشبه التفاعلات الكيميائية في كوننا المرئي مما لا يمنع حدوث تطور حيوي شبيه بما حصل في كوننا المرئي الذي نعيش فيه أي تطور الأنواع ونشأة الحياة التي نعرفها من الخلية الأولى إلى الإنسان الكامل.

أما العالم الفيزيائي آليخاندرو جينكينز Alejandro Jenkins وفريقه العلمي فقد تبنى مقاربة أخرى لإعادة التضبيط الرقمي ajustement numeacute;rique لكنها أخف وعلى عدة ثوابت ومعايير بغية العثور على مجموعة بديلة من القوانين الفيزيائية وذلك سنة 2008، وبحثوا مدى إمكانية التلاعب بكتل ثلاث كواركات من أصل ست كواركات وهي الأخف الكوارك العالي U والكوارك المنخفض D والكوارك الغريب S دون أن تصبح الكيمياء العضوية مستحيلة. إن التلاعب بكتلة الكواركات يؤثر مباشرة على استقرار الوحدات الفيزيائية الباريونات Baryons والذرات، ويقوم بعملية إنتخاب وإنتقاء أو اختيار بين العناصر التي تنعكس على الكيمياء ومن المعروف أن الحياة تكتسي شكلاً من الكيمياء العضوية مبنية على عنصر الكاربون الذي تحتوي نواته على أربع الكترونات جاهزة للارتباط مما سيسمح له بتشكيل أو تكوين عدد هائل من الخلايا الابتدائية البسيطة والمعقدة moleacute;cules simples et complexes. ويضيف العلماء إن بالإمكان أن تتشكل كيمياء حياتية حول عنصر السيليسيوم silicium وهو من العناصر الرباعية الإلكترون teacute;travalent بالرغم من سهولة تحطيم الارتباطات بين ذرات السيليسوم، وإننا لم نشهد على الأرض على الأقل لحد الآن خلية معقدة moleacute;cule complexe تستند إلى عنصر السيليسيوم agrave; base de silicium. ففي كوننا نجد أن الكوارك من فئة D أثقل مرتين من الكوارك من فئة U. وإن النيوترون neutron أثقل بنسبة 1،0% من البروتون ولو إن كتل الكواركات كانت مثل النيوترونات وتصبح أثقل بنسبة 2% من البروتونات فلن يوجد أي شكل ثابت أو مستقر للكاربون والأوكسجين. ولو أعدنا تضبيط كتل الكواركات بطريقة تجعل البروتون أثقل من النيوترون عندها ستقوم نواة الهيدروجين ذات البروتون الواحد بأسر الكترون هائم في تلك النواة ليتحول إلى نيوترون، وسيكون معدل أو متوسط حياة ذرات الهيدروجين قصير جداً. إلا أن الديوتريوم deuteacute;rium أو التريتيوم tritium أي الهيدروجين 3 يمكن أن يبقى مستقراً، وكذلك بعض أشكال الأوكسجين والكاربون، ومع الديوتيوم والتريتيوم ستكون مياه المحيطات من نوع الماء الثقيل eau lourde وهو ذو خصائص تختلف بشكل طفيف عن خصائص الماء العادي مما لا يشكل عائقاً أمام تطور شكل من أشكال الحياة العضوية.

الحجة الأخرى لصالح نظرية الأكوان المتعددة multivers هي أن هناك عامل آخر يتسنى لنا إعادة ضبطه بدقة عالية ألا وهو الثابت الكوني constante cosmique وقد قرر بعض العلماء اعتبار الطاقة الداكنة أو المعتمة eacute;nergie sombre هي الثابت الكوني الذي يملأ الفضاء الفارغ. وقد ثبتت نظرية النسبية لآينشتين بأن الطاقة تقوم بتشويه deacute;forme الزمكان eacute;space-temps حسب علامته وهي التي تسبب توسعه وتمدده أو إنكماشه وتقلصه، بينما تتنبأ أو تتكهن الكيمياء الكمية أو الكوانتية physique quantique بأنه حتى الفراغ يحتجز الطاقة بداخله، ولكن إذا شخصنا طاقة الفراغ واعتبرناها هي الثابت الكوني، ففي هذه الحالة ينبغي أن تكون كبيرة جداً، وأي كانت علامته، فإن الكون سوف يتمدد deacute;latte بسرعة لا تترك الوقت الكافي للبنيات الفيزيائية les structures كي تتشكل أو على العكس سينهار على نفسه خلال جزء صغير جداً من الثانية بعد ولادته مباشرة.

التفسير المعطى هو أن هناك آلية مجهولة أو ميكانيزم meacute;canisme غير معروف يعوض طاقة الفراغ وبالتالي سيتعين أن يكون التضبيط غاية في الدقة وأي حيود مهما صغر، حتى ولو بنسبة غاية في الصغر 100/ deacute;cimale، فإنه سيتضخم بشكل هائل مع مرور الزمن ويكون كافياً ليقودنا إلى وجود كون مجرد من البنى الكونية structures cosmiques. ففي سنة 1987 اقترح العالم الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل للفيزياء، ستيفن وينبيرغ Steven Weinberg تفسيراً مضاداً anthropique فقد حسب الحد الذي إذا ما تخطاه فإن قيمة الثابت الكوني تبقى متوافقة ومطابقة أوملائمة compatible مع الحياة. أي تترك الوقت اللازم لتشكل البنى الكونية بمعنى ما إن وجودنا يتضمن وجود ثابت كوني ضعيف. ومن ثم اكتشفنا في نهاية تسعينات القرن الماضي القرن العشرين، إن الكون يتمدد بإيقاع متسارع وينطوي التمدد المرصود على أن الثابت الكوني إيجابي وقليل جداً وإن كثافة طاقة الفراغ ضعيفة جداً.

وأخيراً هناك سيناريو مبني على نظرية الحبال أو الأوتار وهي النظرية التي تصف الجسيمات الأولية بأنها عبارة عن أوتار تهتز في مستوى ميكروسكوبي أو ما دون ذري وتقترح الرأي التالي: وهو إنه خلال عملية التضخم inflation فإن الثابت الكوني، وثوابت أخرى، اتخذ مستوى gamme لا محدود عملياً illimiteacute;e من القيم المختلفة تسمى بتضاريس نظرية الأوتار، والسؤال القائم هو إذا كانت الحياة ممكنة في كون بلا قوة نووية ضعيفة فلماذا زود كوننا المرئي بهذه القوة الجوهرية والأساسية؟ قد يأتي الجواب بعد التوصل إلى نظرية جامعة شاملة تجمع القوى الكونية الرئيسية الأربعة في قانون واحد وهو الهدف الذي سعى لتحقيقه آينشتين طيلة حياته ولم ينجح في تحقيقه وكذلك العالم ستيفن كينغ، وبعد أن نعرف بالضبط كيف وجد الكون المرئي قبل وخلال وبعد الانفجار العظيم.

[email protected]